لا يمكن أن يغفل تاريخ الشرق الأوسط دور كل من الحركتين الكردية والأمازيغية في تشكل أحداثه ونضال شعوبه، خاصة وأن الشعبين الأمازيغي والكردي لا يزالان يناضلان من أجل انتزاع حقوقهم في البلدان المتواجدين فيها، ولكن التساؤل الأبرز عن التشابه بين الحالتين الكردية والأمازيغية والعلاقات التي تجمع كل من الكرد والأمازيغ.
كشفت أماني الوشاحي، ممثلة مصر في الكونجرس الأمازيغي العالمي، أنه رغم أن الأمازيغ والكرد لم يلتقيا أبدا على مر التاريخ إلا أنه يطلق عليهما "الشعبين الشقيقين" نظرا لتشابه ظروفهما التاريخية، وكذلك تشابه أوضاعهم السياسية، فإن الأمازيغ والكرد يعيشان نفس الأوضاع السياسية والثقافية بالضبط، فما يعاني منه الكرد من تهميش سياسي وثقافي في العراق وسوريا وتركيا، نعاني مثله في شمال أفريقيا.
وأكدت أماني، أن الحركة الكردية من أعظم الحركات التحررية في التاريخ، معربة عن تحيتها نضال الشعب الكردي المتمسك بحقوقه والمستميت على قضيته، وخاصة هؤلاء القادة الذين تولوا زمام القضية وواجهوا أنظمة حاكمة شديدة القسوة، كنظام الطاغية صدام حسين.
وأضافت ممثلة مصر في الكونجرس الأمازيغي العالمي، أن الحركتين الأمازيغية والكردية متواصلين على مستوى القيادات وبينهم تنسيق في عدة مجالات، هذا بخلاف الصداقات الشخصية التي تجمع الأمازيغ والكرد على المستوى الشعبي.
بينما كشف دكتور طه علي، الباحث المتخصص في شؤون الشرق الأوسط وسياسات الهوية، أنه يوجد بين القضية الكردية والأمازيغية تشابه وتشابك، الكرد والأمازيغ من الشعوب الأصلية التي سكنت في مناطق تواجدها عبر آلاف السنين في منطقة الشرق الأوسط، كلاهما يمثل عرق خاص به، وله ثقافة مميزة، وله تاريخ مميز وطويل يرجع إلى آلاف السنين، من تاريخ منطقة الشرق الأوسط، أول بعد من أوجه التشابه، هو البعد التاريخي والعرقي كونهما ذات أصول عرقية متميزة.
وأكد علي في تصريح خاص لوكالة فرات، أن كل من الأمازيغ والكرد لعب دوراً حضارياً وتاريخياً في تاريخ منطقة الشرق الأوسط في ظل التاريخ الإسلامي حيث كان كلاهما استقبل الإسلام بشكل سهل ولم يستعصي على دخولهم في الإسلام، فمنذ أن دخل المسلمون في السنوات الأولى من التاريخ الإسلامي إلى مناطق تواجد الكرد رحبوا به وانخرطوا فيها اندمجوا في الحياة الإسلامية ولم يعارضوه بل إنهم لعبوا دورا فكان منهم دورا مهما منذ عصر الصحابة، حيث كان منهم أحد الصحابة الذي كان يعرف بـ "بابان بن ميمون".
وأضاف الباحث المتخصص في شؤون الشرق الأوسط وسياسات الهوية، أن بابان بن ميمون هو صحابي جليل وكان من أصول كردية، لعب دوراً في مساعدة الخليفة الاسلامي عمر بن الخطاب وإدارة شؤون المنطقة وكانوا متعاونين مع الوجود الإسلامي في هذه المنطقة، بدأ يظهر منهم بعد ذلك وتطور دورهم وكان منهم من أعظم الأشخاص ومن أصول كردية القائد صلاح الدين الأيوبي.
وبيّن علي، أنه على الجانب الأمازيغي لعب الأمازيغ دوراً في تاريخ الحضارة الإسلامية من خلال دولة الموحدين والمرابطين عندما دخلوا شمال إفريقيا بعد مصر وليبيا ثم تونس والمغرب والجزائر، واحتضنها الإسلام واندمجوا في البيئة الإسلامية وكان منهم قادة إسلاميين عظام مثل يوسف بن تاشفين والذي أسس دولة المرابطين وكانت في المغرب في القرن الخامس الهجري حيث أسهمت في الدفاع عن الأندلس وكان مركزها مراكش، وكان من أهم رموزها يوسف بن تاشفين وينسب له تأخير سقوط غرناطة في الأندلس.
وأوضح الباحث المتخصص في شؤون الشرق الأوسط وسياسات الهوية، أنه من أوجه التشابه بين القضيتين الكردية والأمازيغية أن كلاهما الكرد والأمازيغ لديهما مظلمة تاريخية تمثلت في مساعي النخب الحاكمة لطمس هويتهم منذ الدخول الإسلامي، والموجة الثانية في القرن العشرين مع وجود النخب القومية، ومساعي هذه النخب الحاكمة لتعريب المنطقة فبالتالي مناطق الوجود الكردي تم تعريبها مع دخول الإسلام كما تم تعريب شمال أفريقيا مع دخول الإسلام، هذه الشعوب مثل الكرد والأمازيغ تضرروا أو واجهوا حالة من التعريب من النخب القومية التي حكمت منطقة الدول العربية أو الشرق الأوسط بعد استقلالها في القرن العشرين.
وأردف علي، أن من العوامل المشتركة بين الجانبين هو وجود مظلة تاريخية بين هذه الجماعات مثل الكرد والأمازيغ حيث تعرضوا لمساعي النخب الحاكمة منذ دخولها الإسلام ثم ظهور النخب القومية فتعرضوا لسياسات طمس الهوية في شمال أفريقيا بالنسبة للحالة الأمازيغية وفي سوريا وإيران وتركيا والعراق لم يكن الأمر تعريب بل كان تفريس أو إدخال الطابع الفارسي في إيران أو التتريك أي فرض اللغة والثقافة التركية في تركيا، وكلاهما اندمجوا في الحضارة الإسلامية لأنهم مسلمين وليسوا عرب.
وأشار علي، إلى أن هناك ملمح آخر حيث يعاني كل من الشعبين من إشكالية لغوية، الأمازيغ لديهم تعدد في اللهجات، حيث توجد لهجات عديدة وهذه اللهجات ترتبط بجماعات محددة مثل لهجات شلكيت وكرمانطي، وهناك السورانية وهو ما يوجد أيضاً في اللغة الأمازيغية، وهذه الإشكالية ارتبطت بأن كلاهما يسعى إلى إعادة الاحتفاظ بلغتهم لأن الأمازيغ يحاولون الاحتفاظ بلغتهم والكرد يحاولون الاحتفاظ بلغتهم وذلك باعتبار أن اللغة أبرز ملامح الهوية بشكل عام في إطار مساعي الأمازيغ والكرد للحفاظ على اللغة الكردية والأمازيغية.
وأوضح الباحث المتخصص في شؤون الشرق الأوسط وسياسات الهوية، أن كل من الكرد والأمازيغ تضرر من السيطرة القوى الدولية، وذلك لأن الكرد تم تقسيمهم بين أربع دول هي سوريا وإيران والعراق وتركيا، الأمازيغ أيضاً تم تقسيمهم في المغرب والجزائر وتونس وليبيا وجزء بسيط في مصر، فبالتالي تقسيم الدول القومية بواسطة القوى الاستعمارية في مطلع القرن العشرين قد أوجد القضيتين الأمازيغية والكردية بشكل عام.
كما تطرق علي إلى جوانب التشابك بين الكرد والأمازيغ مبيناً أن بعض القطاعات الكردية تمسك علاقات تشابكية وتضامنية مع بعض القطاعات الأمازيغية فمثلاً نظم الامازيغ مسيرة اي تظاهرة كبيرة في فلكلور سنوي اسمها مسيرة توادا للحركة الأمازيغية والتي تنظمها في شهر يناير خلال هذه المسيرة تم رفع إشارات داعمة للكرد، وعلى المقابل بعض الكرد في سوريا رفعوا العلم الأمازيغي كرد فعل فعندما رفع الأمازيغ العلم الكردي رد الكرد برفع العلم الأمازيغي وهذا حدث في تاريخ أكتوبر 2012.
كما لفت الباحث المتخصص في شؤون الشرق الأوسط وسياسات الهوية، أنه في 26 اكتوبر عام 2014 أيضا بعض التنظيمات الأمازيغية دعت لوقفة احتجاجية أمام السفارة التركية في المغرب للتضامن مع الكرد المتضررين من تنظيم داعش في كوباني رفعوا شعارات تتهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بدعم تنظيم داعش ودعم الجرائم التي ارتكبها تنظيم داعش وتضامنوا مع الكرد والقوات الكردية التي حاربت داعش.