لكن رغم أن تلك الرغبة الوردية التي قد تكون مفيدة بالطبع ليس لتلك الدول فقط بل لكثير من دول العالم خصوصًا الدول ذات الاقتصادات المتعثرة، إلا أن هذه الفكرة تبدو – بحسب مراقبين – محفوفة بمجموعة من العقبات التي تجعل هذا الأمر مستبعدًا على الأقل في المدى القريب، بعضها مرتبط بتلك الدول وبعضها من خارجها، وإن كان يمكنها مجتمعة أن تساهم في وضع أساس لنظام عالمي جديد تتراجع فيه الهيمنة الأمريكية.
الدول المتضررة من السياسات الأمريكية
يقول الدكتور أيمن سمير الخبير في العلاقات الدولية إن السبب الأول لهذه التحركات أن الدول التي دعت لهذا الأمر وتحديدًا روسيا والصين هي الدول المتضررة من سياسة القطب الواحد القائمة منذ سقوط جدار برلين عام 1989، لكن بعد مرور حوالي 33 سنة تسعى تلك الدول ليكون هناك نوع من التعددية القطبية، والهدف على الأقل أن يكون هناك عدالة في النظام الدولي وشفافية في قضايا التجارة والتوازن في اتخذا القرارات.
ولفت "سمير" أنه على سبيل المثال لولا دا سيلفا رئيس البرازيل يتحدث عن أن القروض تمنح للدول الفقيرة بفائدة مضاعفة 7 مرات مقارنة بالدول الغنية، أيضًا من قبل قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن الحبوب التي كانت تصدر من خلال اتفاق الحبوب أن حوالي 70% منها ذهبت للدول الغنية وليس الفقيرة، وبالتالي فإنهم يسعون إلى كسر نظام الهيمنة الأمريكي والوصول إلى عالم متعدد الأقطاب.
ويقول الدكتور أيمن سمير إن السبب الثاني لتحركات تلك الدول هي محاولة إغراء أو إغواء دول الجنوب وكسبها إلى صف عواصم مثل موسكو وبيجين، من خلال الحديث عن بعض الأمور مثل تقليل الاعتمادية على الدول الغربية والتعامل بالعملات الوطنية، وأننا سنكون أمام عالم بلا عقوبات اقتصادية عكس ما تفعله الولايات المتحدة، وهذا يرتبط برؤية دول بريكس بأنهم إن وصلوا إلى هذه المرحلة فيمكنهم أن يلعبوا دورًا أكبر في إطار نظام التعددية القطبية.
إشكاليات كبيرة
لكن الدكتور أيمن سمير يرى أن هذا مجرد حلم وتحقيق هذا الحلم يحتاج لوقت يتراوح من 5 إلى 10 سنوات، لأنه على سبيل المثال لو تحدثنا عن قضية الاعتماد على العملات الوطنية، فإنه لا يزال الدولار يمثل 58% من التعاملات الدولية، حتى أن الصين التي هي أكبر دائن لأمريكا سيكون أي خلل في قيمة الدولار بمثابة خسارة لبيجين، ليس هذا فحسب احتياطات العملة الأجنبية لدول بريكس جميعًا الأكثر فيها بالدولار، كالصين التي لديها أكبر احتياطي من الدولار في العالم.
وفي ختام تصريحاته، يقول سمير إن هناك إرهاصات للتحول إلى نظام متعدد الأقطاب وقد بدأت بالفعل تلك الإرهاصات من خلال هرولة الدول للانضمام إلى مجموعة بريكس، وهذا يعبر عن حالة عدم الثقة في نظام القطب الأحادي، وأن هناك تطلعات لكسر هيمنة الدولار أو التخفيف من الاعتماد عليه، لكن التحول التام يمكن أن يتحقق لكنه سيحتاج وقتًا.
ويدلل سمير على صعوبة ذلك في الوقت الحالي، قائلًا نحن نرى الدول تريد الانضمام إلى بريكس والأخيرة ترحب، لكن دعونا نتخيل أن مجموعة الدول الصناعية الكبرى فتحت المجال للعضوية، الذي سيحدث أن الدول ستغير وجهتها على الفور وستتجه نحو تلك المجموعة وليس بريكس.
ولا تحتل مساع كسر هيمنة الدولار الأمريكي مكانة كبيرة في النقاشات الأمريكية بشأن الاقتصاد، بحسب كثير من التقارير الصحفية، فواشنطن يبدو أنها مطمئنة إزاء قيمة عملتها التي تتحكم في الاقتصاد العالمي، كما أن الحديث عن هذه المسألة ليس بالأمر الجديد، بحسب تقرير سابق لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية.
كما تلفت كثير من التقارير إلى أن دول مجموعة بريكس بينها خلافات بشأن التعامل مع عديد من القضايا والملفات الدولية، إلى جانب أنها ليست جميعًا على نفس القدر من القوة الاقتصادية، كما أن عملاتها تتباين قيمتها إذا ما قورنت بالدولار الأمريكي.
أهمية بريكس وسعي الدول للعضوية بها
لكن في المقابل فإن الدكتور عبدالمنعم السيد مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية لديه وجهة نظر مغايرة خصوصًا من مسألة العضويات ببريكس إذ يقول، لوكالة فرات للأنباء، إن هناك 22 دولة حول العالم أبدت رغبتها في الانضمام لمجموعة بريكس من بينها مصر والجزائر والسعودية والإمارات والبحرين والكويت وفلسطين والأرجنتين وإندونسيا وغيرهم من الدول الراغبة في الانضمام، ويبدو أن خريطة قوى النظام الاقتصادي العالمي ستتغير بعد هذه القمة، لأنها تهدف إلى إيجاد أقطاب اقتصادية بخلاف تلك التي تقودها واشنطن.
ويلفت إلى أن هذا التوجه يأتي اعتمادًا على أهمية دول بريكس والتي تشكل 31.5% من حجم الاقتصاد العالمي و18% من حجم التجارة، و26% من مساحة العالم و43% من سكان العالم، وتنتج أكثر من ثلث حبوب العالم، كما أنها تمتلك 40% من احتياطي العالم بنحو 4.2 تريليون دولار حيث تمتلك الصين بمفردها 2.4 تريليون دولار.، ما يظهر القوة الاقتصادية لها، وقد أظهرت بيانات صندوق النقد الدولي، أن مساهمة التكتل بلغت 31.5% في الاقتصاد العالمي بنهاية 2022، مقابل 30.7% للقوى السبع الصناعية.
ويشير السيد إلى أن عدد سكان تحالف بريكس يبلغ 3.2 مليار نسمة أي ما يعادل نحو 42% من إجمالي سكان الأرض، بينما يبلغ عدد سكان دول مجموعة السبع نحو 800 مليون نسمة، ومع دخول الأعضاء الجدد إلى مجموعة بريكس يمكن أن تنمو مساحة التحالف بمقدار 10 مليون كم، كما سيزداد عدد السكان بمقدار 322 مليون نسمة.
مصر و"بريكس بلس"
وتحدث مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية عن اتجاه بريكس لتوسيع العضوية، فيقول إنه مرتبط بالحرب الأوكرانية وتجميد الأصول الروسية، ولهذا تبحث المجموعة وروسيا نفسها عن داعمين بتشكيل "بريكس بلس" عبر إضافة دول أخرى، وإصدار عملة موحدة لكسر هيمنة الدولار، كما ان الصين بعد الحرب الروسيه الأوكرانيا وانعدام الثقة في الدولار، تسعى لتحويل المجموعة لرابطة عالمية لملء الفراغ.
ويرى أن هناك فرصة مواتية لتحقيق ذلك خاصه مع زيادة التذمر من السياسات الأمريكية، ومع المكانة العسكرية الكبيرة لدول "بريكس"، وبالتالي يسعي تحالف بريكس لإعادة تشكيل النظام العالمي من خلال تحويل القوة من "الشمال العالمي" إلى "الجنوب العالمي".
وبشأن التحاق مصر بعضوية بريكس، يرى الدكتور عبدالمنعم السيد أن مصر ستستفيد بشكل الكبير، حيث توفر مجموعة بريكس فرصًا للشركات في الدول الأعضاء لتوسيع نطاق عملياتها التجارية بحرية تامة، وتبادل السلع والخدمات والتقنيات بين بلدانها الأعضاء.
ويشير إلى أن هناك إمكانية التعامل مع دول اعضاء التحالف بالعمله المحلية أو بعملة أخري مقومه بالذهب، مما سيقلل الضغط علي الدولار وسيساعد علي تقليل الفجوه التمويلية التي تعاني منها مصر حاليًا، كما أن ذلك من شأنه زيادة التبادل التجاري بين مصر والدول أعضاء بريكس كما سيحسن الناتج المحلي المصري.
ويقول أيضًا إن العضوية ستساعد على جذب الاستثمارات الأجنبية من الدول الأعضاء مما سيؤدي إلي زيادة معدلات التشغيل وتخفيض معدلات البطالة و زيادة المعروض من السلع والمنتجات في السوق المصري، وزيادة الصادرات المصرية و فتح أسواق جديدة للمنتجات المصرية مما سيحسن حجم الصادرات المصرية.
ويقول السيد أيضأ إن العضوية ستساهم في زيادة أعداد السائحين الوافدين علي مصر وفتح أسواق سياحية جديدة، مما سيعظم عوائد السياحة المصرية وتنشيط القطاع السياحي، أيضًا ستساعد مصر على التعامل مع بنك التنمية الجديد كعضو والحصول علي تمويل مشروعات البنية التحتية ومشروعات التنمية المستدامة بشكل أفضل.
يذكر أن الناتج المحلي الأمريكي كان في العام الماضي 20.94 تريليون دولار، وهي بذلك تمتلك أكبر اقتصاد في العالم والذي يشكل وحده 25% من إجمالي الناتج المحلي العالمي، مقارنة بدول مجموعة بريكس التي يشكل إجمال الناتج المحلي فيها 27 تريليون دولار أي ما يشكل نحو 30% من الناتج الإجمالي العالمي.