وقد عقد مركز أتون تلك الحلقة النقاشية مؤخراً بهدف تحليل وتفسير أبعاد الأزمة الليبية ومحاولة قراءة مستقبلها، لا سيما في ظل حالة الجمهود التي تسيطر عليها على مدار الأشهر الماضية، بحضور الكاتب الصحفي أسامة الدليل رئيس قسم الشؤون الدولية بجريدة الأهرام العربي، والكاتب الصحفي المتخصص في الشأن الليبي أحمد عامر، بينما أدار تلك الحلقة النقاشية الأستاذ فتحي محمود مدير مركز أتون للدراسات.
واتفقا المتحدثان في مجمل حديثهما على أن الوقوف على الأزمة الليبية واستشراف مستقبلها يتطلب التدقيق في أبعادها وهي متعددة بعضها جغرافية وعسكرية وسياسية، محذرين من خطر تقسيم هذه الدولة الواقعة في شمال القارة الأفريقية، لدرجة أن أحدهما أجزم بأن ليبيا مصيرها إلى التقسيم، وأنه قد تحولت إلى ساحة لكثير من الدول التي تبحث عن مصالحها.
أطماع تركيا في ليبيا
وقد بدأ الكاتب الصحفي أسامة الدليل الحديث في تلك الحلقة النقاشية وتطرق إلى عديد من الجوانب بشأن الوضع في ليبيا، لكن من بين ما ركز عليها الإشكاليات المتعلقة بموقع ليبيا الجغرافي وسواحلها لا سيما مكانها من الصراع في البحر الأبيض المتوسط، وقد استعرض في هذا السياق خريطة تركية تتعلق بمناطق السيادة البحرية والتي اصطدمت فيها سيادة مصر البحرية مع ما يسمونه في تركيا الوطن الأزرق الذي يجعل ليبيا دولة متشاطئة مع تركيا، دون النظر إلى الاتفاقيات الخاصة بتقسيم البحار أو حتى قواعد الجغرافيا.
وشرح "الدليل" ما في تلك الخريطة التي استشهد بها، والتي يرى فيها نظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن الجرف القاري الخاص بتركيا يصل إلى نقطة تماس مع الجرف القاري الليبي على نحو يجعل الدولتين متشاطئتين، وبالتالي وفق تلك الخطوط رأى أن هناك إمكانية لترسيم الحدود البحرية، في إشارة منه إلى الاتفاق الذي أبرم من قبل أنقرة مع المجلس الرئاسي الليبي الذي كان يترأسه في هذا الوقت فايز السراج قبل أعوام قليلة، والذي كان واحداً من أكثر الأمور إثارة للجدل ليس داخل الأراضي الليبية فقط، بل وكذلك في دول الجوار.
ولفت رئيس قسم الشؤون الدولية في الأهرام العربي إلى أن ترسيم الحدود بين النظام التركي والحكومة التي كانت في طرابلس تم دون النظر إلى دول الجوار وحقوقها مثل مصر واليونان وقبرص، مؤكداً أنه بالتالي فإن مشروع العثمانية الجديدة الذي يتبناه أردوغان أمر يسير وفق أسس وجذور، وليس مجرد كلام عبثي، بل إن هناك من يدافع عن هذا المشروع.
وقد أشار "الدليل" إلى أن ليبيا لديها إشكالية تتعلق بالهوية – بحسب رأيه – فالليبيون لا يعرفون ما إذا كانوا عرباً أم امتداد أوروبا أم أفارقة، معتبراً أن هذا الأمر في صلب مفهوم الأمن القومي الليبي والذي بدوره يرتبط بالأمن القومي العربي، لافتاً إلى أن أزمة الهوية هذه هي أيضاً تضرب تركيا، معرباً عن توقعاته بأن تكون ليبيا مصيرها التقسيم الحتمي.
تدخل تركي بضوء أخضر أوروبي
بدوره، تطرق الكاتب الصحفي المتخصص في الشأن الليبي أحمد عامر إلى الدور التركي في ليبيا، وكان يتحدث في هذا السياق عن نجاح الجيش الوطني الليبي الذي يقوده خليفة حفتر، موضحاً أنه قاد معركة للقضاء على الإرهاب ونجح في بنغازي ودخل مناطق أخرى مستفيداً من الحاضنة الشعبية، إلى أن وصل إلى تخوم العاصمة الليبية طرابلس.
ولفت "عامر" إلى أن العاصمة تنتشر بها كثير من الميليشيات والتي تأخذ مسميات رسمية ويفترض أنها تتبع رسيماً حكومة الغرب الليبي، موضحاً أنه عندما اقترب خليفة حفتر من تخوم طرابلس شعر الأوروبيون أن ليبيا تقترب من أن تصبح دولة موحدة، وهنا سمح على الفور لتركيا بأن تتدخل في الغرب الليبي وترسل السفن والقوات وكل ذلك على مرأى ومسمع من الأمم المتحدة والإدارة الأمريكية.
وأضاف أن تركيا لم يقف أمامها أي شيء ودخلت إلى الحرب في ليبيا بكل قوة، وشرعت في إقامة القواعد العسكرية حتى أصبح هناك تواجد عسكري ضخم للغاية في ليبيا في الوطية ومصراتة ومعيتيقة وبوستة، على نحو اضطر الجيش الوطني الليبي إلى التراجع إلى سرت – الجفرة وكان التراجع ليس بقرار تركي وإنما بقرار أوروبي، حتى أنه تم منع وصول أي إمدادات أو تسليح لهذا الجيش إلا بعد أن يعود ويبتعد عن تخوم العاصمة، في إشارة منه إلى أن حفتر كان يحمل مشروعاً لإقامة دولة ليبية واحدة وأن هذا الأمر لا يروق للدول الغربية.
وفي ختام تلك الحلقة النقاشية اتفق المتحدثان على أن دخول تركيا وروسيا إلى ليبيا كان من الأمور التي شكلت المشهد العسكري بها كذلك، إلى جانب انتشار الميليشيات والجماعات الإرهابية، وبحث كثير من الدول عن أماكن تواجد لها عند سواحل ليبيا، مؤكدين أن أنقرة وموسكو حدث بينهما توافق بشأن الوضع في ليبيا كما حدث في سوريا.