لا تقتصر العلاقات الأمريكية الأردنية على شق أوحد إنما تنضوي على أكثر من مجال بينها الأمني والسياسي والاقتصادي، ضمن استراتيجية موحدة بين البلدين تستهدف تحقيق استقرار المنطقة والحد من النزاعات، ويمثل الأردن أحد أهم الدول الشرق أوسطية بالنسبة للإدارة الأمريكية وهو ما يؤكد أن استقرار الأردن مسعى أمريكي لإقرار التهدئة والحد من النزاعات، وفيما يخص مطالب الرئيس الأمريكي الجديد بتهجير سكان غزة إلى خارج أراضيهم فقد تطرح الأردن حلولا غير التهجير الذي يضر بالمنطقة ويؤدي بها إلى انفجار وسط توقعات بالتفاوض مع الادارة الامريكية لخلق بدائل جديدة بعيدا عن مساعي اليمين المتطرفة الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية.
استراتيجية موحدة
خالد شنيكات المحلل السياسي الأردني وأستاذ العلوم السياسية أكد في تصريح لوكالة فرات للأنباء «ANF»، أنّ «العلاقات الأردنية الأمريكية علاقات تاريخية وممتدة لعقود طويلة وشهدت استمرارية واستقرارا، إلا أنها دائما ما تتأثر بالأوضاع الإقليمية، حيث تسببت معركة طوفان الأقصى في أكتوبر 2023، في تداعيات كثيرة من بينها تأثر العلاقات بين البلدين، خاصة وأن الأردن يتبنى القضية الفلسطينية ويؤمن بحل الدولتين وفقا للشرعية الدولية ومبدأ حق تقرير المصير وليس على حساب الأردن أو أي طرف آخر، فيما تدفع حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية نحو التهجير القسري لسكان قطاع غزة وهو ما توافق مع تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلا أن ذلك لا يعني تدهور العلاقات وإنما ستجري عمليات تفاوض للوصول إلى حلول توافقية».
وأكد الحارث الحلالمة، المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية في تصريح لوكالة فرات للأنباء «ANF»، هناك تماهي أردني بريطاني وتوافق تام فيما يتعلق بإقامة دولة فلسطينية وفقا للشرعية الدولية على حدود 1967، ودائما ما كانت بريطانيا واضحة وغير متذبذبة بشأن موقف الدعم لوقف الحرب في غزة وإدخال المساعدات وإنهاء الصراع بإقرار حل الدولتين، وهذا التماهي الأردني البريطاني ناتج عن العلاقات التاريخية بين البلدين ويحقق دعما وثباتا لموقف الأردن الداعم للقضية الفلسطينية.
بريطانيا وغزة
يجسد الدعم البريطاني لسكان غزة والقضية الفلسطينية بصفة عامة، مرتكزا استراتيجيا في العلاقات الأردنية البريطانية، وسبق وأن طالبت بريطانيا مرارا وتكرارا بوقف الحرب وضرورة إنفاذ المساعدات الإنسانية للقطاع، بما يصب في صالح دعم الموقف الأردني من خلال المطالبة بعودة الفلسطينيين وإعادة بناء منازلهم وممارسة حياتهم الطبيعية، من ثم فإن المقاربات الأردنية البريطانية تحقق دعما دوليا للفلسطينيين، وسبق وأن طُرحت القضية خلال لقاء الملك عبدالله مع نظيره البريطاني أو في لقاءات المسؤولين بالبلدين، وانتهت تلك اللقاءات والجهود الدبلوماسية إلى توافق على ضرورة وجود حل عادل وشامل بما يضمن حق العودة الذي يشمل الدولة المستقبلية الفلسطينيين.
ويعكس الموقف الأردني من المقترح الأمريكي الهادف لتصفية القضية وتهجير سكان قطاع غزة وضم الضفة، موقف أغلب الدول العربية التي تقف حائط صد ضد مخطط أمريكي إسرائيلي قد تنتج عنه اضطرابات كبيرة في الشرق الأوسط، ومن ثم قد تتعرض العلاقات الأردنية الأمريكية لحالة من الجمود المؤقت على خلفية دعمها للقضية الفلسطينية وذلك رغم العلاقات المتجذرة والتاريخية التي فرضت عدة ثوابت في التعامل بين مؤسسات الدولتين بما يؤثر في صنع القرار الأمريكي والأردني على حدٍ سواء.
إعلان حرب
وفي ولاية ترامب الأولى رفض الأردن مقترح صفقة القرن الذي يتعارض مع القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وسط إصرار من ملك الأردن ومؤسسات المملكة على دعم فلسطين ورفض خطة ترامب ونتنياهو، وهو ما لاقى دعماً شعبياً عارمًا في الداخل الأردني، واعتبرت حكومة المملكة أن تبني فرضية التهجير سيمثل إعلان حرب على عمان، ومن خلال تلك التصريحات والتحركات الدبلوماسية الأردنية وصل رد المملكة إلى الرئيس الأمريكي، ما قد ينتج عنه برودا في العلاقات بين البلدين ورغم ذلك ستتمسك الأردن بمقاربات مختلفة لكن في إطار الشرعية الدولية، وخلاف ذلك ستواجه المنطقة اضطرابات كبيرة قد تؤثر على المصالح الأمريكية نفسها، خاصة إذا ما أصر البيت الأبيض على استمرار الدعم المطلق لإسرائيل بضم الضفة وتصفية القضية، ويبدو أن هذا المنهج هو اتجاه الإدارة الأمريكية الجديدة فالسفير الأمريكي في إسرائيلي يمتلك مقاربات دينية متطرفة، وحتى المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط يتبنى ذات المقاربات، ما سيؤدي إلى تصاعد الخلافات بسبب إصرار الأردن على دعم فلسطين وموقفها التاريخي من القضية.