وتشعر إيران بحالة من القلق في ظل مخاوفها من أن تطال صواريخ إسرائيل مواقعها النووية أو منشآتها النفطية، ولهذا فقد أجرت اتصالات ببعض دول الشرق الأوسط من أجل التواصل مع الولايات المتحدة لإقناع حكومة بنيامين نتنياهو بألا يصل رد تل أبيب إلى تلك الأهداف، لكن طهران تثاورها الشكوك حول قدرة واشنطن على إقناع الجانب الإسرائيلي بذلك.
وفي الأول من أكتوبر/تشرين الأول الجاري شنت إيران هجوماً صاروخياً باتجاه الأراضي الإسرائيلية، بعد أيام من اغتيال حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله اللبناني وأسابيع من اغتيال الموساد إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس داخل الأراضي الإيرانية، لتترقب طهران الآن ومعها الشرق الأوسط وربما العالم الرد الإسرائيلي.
تدخل خليجي
وحسب مصادر أمريكية، فإن دولاً خليجية مثل الإمارات العربية المتحدة وقطر والبحرين قد أعربوا عن قلقهم للولايات المتحدة من الآثار الاقتصادية والبيئية السلبية حال أقدمت إسرائيل على استهداف مواقع النفط الإيرانية وكذلك النووية، في وقت كان الرئيس الأمريكي جو بايدن تحدث مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بضرورة أن يكون رده مناسباً.
وحسب تقارير إسرائيلية، فإن المجلس الأمني الإسرائيلي لا يزال لم يتوصل بعد إلى توافق بشأن آلية الرد على الهجوم الصاورخي الإيراني، والذي تؤكد أوساط عدة أن تل أبيب عازمة على الرد لا محالة على الأقل في إطار الردع، بدليل أن الإدارة الأمريكية التي كانت تحاول إقناع الإسرائيليين في البداية بعدم الرد الآن تتحدث عن "رد مناسب"، وخاصة مع تداول مقاطع مصورة على نطاق واسع تكشف حالة الذعر التي خيمت على الشوارع الإسرائيلية.
يقول ماركو مسعد عضو مجلس السياسات بواشنطن، في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن إيران أجرت جولات مكوكية من خلال وزير خارجيتها وأوصلت تحذيرات عبر وسطاء إلى الولايات المتحدة بضرورة عدم استهداف المواقع النووية والنفطية، وإلا فإن طهران سيكون لها رد أيضاً مماثل باستهدف مواقع نووية ونفطية إسرائيلية وبشكل أقوى.
ويرى مسعد أن المقلق في الأمر بالنسبة للإدارة الأمريكية أنها لا تريد رداً قوياً إسرائيلياً، حتى لا يتسع نطاق الحرب، وتندفع طهران أكثر نحو الارتماء في أحضان الروس، وربما موسكو تعطي في المقابل تكنولوجيا نووية للإيرانيين، ما يشكل ضربة كبيرة للردع الأمريكي، مؤكداً أن الإشكالية تتمثل في مدى استجابة نتنياهو للضغوط الأمريكية فهو خارج السيطرة الأمريكية خلال الفترة الأخيرة، على حد تعبيره.
استهداف النووي أم النفط؟
ولا يعرف بعد وجهة الحكومة الإسرائيلية، لكن تقريراً لشبكة "إن بي سي" الأمريكية نقل عن مسؤولين أمريكيين اعتقادهم بأن تل أبيب قد حددت أهدافها بالفعل، حيث ستركز على بعض المنشآت النفطية وكذلك بعض البنى العسكرية، مستبعدين أن تكون لديها خطط بشأن المواقع النووية أو أن تكون هناك خططاً لاغتيالات لمسؤولين إيرانيين، في إشارة إلى ما جرى الحديث عنه بشأن إمكانية تنفيذ عملية اغتيال إسرائيلية تطال علي خامنئي مرشد إيران.
وتقدر المسافة بين إسرائيل والمواقع النووية الإيرانية نحو 1000 ميل على الأقل، وعملية استهدافها ليست باليسيرة، فالمعلومات المتوافرة تشير إلى أن تلك المواقع محصنة للغاية، كما أن تل أبيب ستكون بحاجة إلى نحو 100 طائرة للقيام بتلك المهمة وهي في حاجة إلى المرور عبر عدة دول وكذلك التزود بالوقود في منتصف مهمة تحليقها.
أما البديل الآخر لتنفيذ ضربة تطال المواقع النووية الإيرانية بسلاح تقليدي فهي قنبلة "إم أو بي" الموجهة والتي تزن نحو 30 رطلاً ويبلغ طولها 6 أمتار وتستطيع اختراق الأرض بنحو 60 متراً قبل انفجارها، علماً أن تل أبيب لا تمتلك هذه القنبلة وحتى لو حصلت عليها فإن طائراتها الحربية سواء إف 16 أو إف 35 لن تستطيع حملها.
وبالتالي إذا كانت هناك صعوبات عسكرية في تنفيذ ضربة تطال المنشآت النووية الإيرانية، فإن تل أبيب تواجه ضغوطاً سياسية كبيرة لعدم القيام بذلك، سواء من قبل الإدارة الأمريكية الحالية، أو حتى من حلفاء واشنطن الخليجيين الذين لا يريد الجانب الإسرائيلي بدوره خسارتهم، وسط مخاوف هؤلاء أيضاً مما قد تقدم عليه طهران في المرة القادمة إذا أرادت الرد، واستمر مسلسل الضربات المتبادلة.
ردود محسوبة؟
هنا يستبعد محمد فتحي الشريف مدير مركز العرب للأبحاث أن تستهدف إسرائيل المنشآت النووية لما لذلك من خطورة كبيرة، فضلاً عن أنه سيشكل استفزازاً كبيراً للإيرانيين، في وقت تنشغل تل أبيب بجنوب لبنان والمعارك الضارية على حدودها، وفي نفس الوقت الإدارة الأمريكية لا تفضل توسيع نطاق التصعيد.
ويضيف الشريف، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أننا جميعاً نعلم أن هذه الضربات تكون محسوبة، ويكون مبلّغ قبلها بما ستطاله من أهداف، كما أنها كانت دائماً ليست ذات خسائر كبيرة، مشيراً في ذلك إلى أن تل أبيب يمكن أن ترد في إطار "مناسب" كما تريد واشنطن في المقابل تصعد ضد حزب الله وحماس وهو أمر ربما لا يعني كثيراً بالنسبة للجانب الإيراني.
تسلسل زمني
وخلال العام الجاري استهدفت إسرائيل في 1 أبريل/نيسان مبنى القنصلية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق ما أدى إلى قتل عدد من العسكريين الإيرانيين، لترد طهران بهجوم عبر مئات المسيرات باتجاه إسرائيل في 14 من الشهر ذاته، لكن بعدها بأيام وتحديداً يوم 19 سمع دوي انفجارات قوية في مدينة أصفهان الإيرانية وسط اتهامات طالت تل أبيب.
إذن أصبح الأمر ضربة مقابل ضربة، لكن في 31 يوليو/تموز نفذ الموساد الإسرائيلي عملية اغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس بمقر إقامته في العاصمة الإيرانية طهران، ثم في 31 سبتمبر/أيلول اغتالت إسرائيل حسن نصرالله أمين عام حزب الله اللبناني وذراع إيران الطولى، لتقوم الأخيرة بتنفيذ هجوم صاورخي في 2 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.