وفي هذا السياق، حاورت وكالة فرات للأنباء (ANF)، الدكتور رامي عاشور أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاهرة، والذي يرى أن الصين استفادت بقوة من الحرب في غزة في إطار معركة النفوذ في الشرق الأوسط مع الولايات المتحدة، مؤكداً أن روسيا في المقابل، كانت هي الأكثر استفادة لا سيما في ظل انشغال العالم بتطورات الأوضاع في فلسطين عما يجري في أوكرانيا.
وكان نص الحوار كالآتي:
*إلى أي مدى يعتبر طول أمد الحرب فرصة لتعزيز نفوذ الصين وروسيا في منطقة الشرق الأوسط؟
- دعنا نتحدث أولاً عن الجانب الصيني، فالصين تستفيد جداً من تطورات الأوضاع في غزة أو ما يجري في الشرق الأوسط، لأنه يصب باتجاه زيادة الكراهية في المنطقة ضد الولايات المتحدة الأمريكية أو النفوذ الأمريكي واستمراره، وهذا يختصم من الجانب الأمريكي لصالح مستقبل أو خطط تمدد النفوذ الصيني، وهذا الأمر يعود حتى إلى ما قبل حرب عزة.
*ماذا إذن عما قبل حرب غزة فيما يتعلق بصراع النفوذ الصيني والأمريكي في المنطقة؟
- التمدد الصيني بدأ من المفاجأة التي أصابت الولايات المتحدة الأمريكية عندما رعت الصين اتفاق تطبيع العلاقات بين إيران والمملكة العربية السعودية، وهذا حمل دلالة على أن الصين قادرة على تسوية الخلافات دبلوماسياً وسلمياً في منطقة الشرق الأوسط، في وقت فشلت فيه واشنطن في ذلك، وبالتالي فإن ما يجري في غزة يأتي إضافة لذلك ويشكل تعزيزاً للنفوذ الصيني في الشرق الأوسط كما قلت لأن حرب غزة تساهم في تصاعد رصيد الكراهية في المنطقة.
*ماذا عن الجانب الروسي وقدر استفادته؟
- الجانب الروسي استفاد أكثر من الصين، والأمر يرتبط هنا بحرب روسيا في أوكرانيا، إذ أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت ترسل مساعدات عسكرية إلى أوكرانيا بطريقة مباشرة منها أو بطريقة غير مباشرة عن طريق الدول الأوروبية العضوة في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وبالتالي كانت كييف مستحوذة على اهتمام واشنطن والمساعدات القادمة منها، وعندما حدثت تطورات غزة، أصبحت إسرائيل هي التي ستأخذ المساعدات وحظت بالأولوية القصوى في الحصول على الدعم الأمريكي واللوجيستي، وبالتالي من مصلحة موسكو استمرار الصراع في غزة وألا تكون هناك هدنة إنسانية، لأن ذلك سيقلل نصيب أوكرانيا من المساعدات الأمريكية وغيرها، وبالتالي سيكون التمدد الروسي في الأراضي الأوكرانية أوسع.
*من خلال تتبعك للموقف الروسي من حرب غزة، إلى أي مدى عكست التصريحات القادمة من موسكو ما تتحدث عنه؟
- إذا لاحظنا، سنجد أن الموقف الروسي لم يخرج عن نطاق التصريحات، تصريحات باردة، ولكن لم تتحرك بشكل مباشر من أجل وقف الحرب في غزة أو الضغط على إسرائيل أو الولايات المتحدة، لأنها لو فعلت ذلك سيعود الدعم مرة ثانية إلى أوكرانيا، وهذا أمر ضد النفوذ الروسي ولصالح كييف، وبالتالي من مصلحة موسكو أن يبقى الحال على ما هو عليه في غزة، والدليل على ذلك أنه منذ 4 أيام قتلت العمليات الروسية 750 جندي أوكراني في يوم واحد دون أن يحدث أحد عن هذا، بل وصل الأمر إلى أن هناك حديث عن مخطط لاغتيال الرئيس الأوكراني في إطار التوظيف لحالة الانشغال بما يجري في قطاع غزة.
*إذن يمكن القول إن روسيا تستفيد من جهتين، زيادة نفوذها في الشرق الأوسط وفي نفس الوقت انشغال العالم عما يجري في أوكرانيا، أليس كذلك؟
- بالفعل، أتفق تماماً، وكأن الأحداث التي تجري في غزة شتتت التركيز الأمريكي عن أوكرانيا لصالح إسرائيل، وهذا في حد ذاته دعم ونفوذ لروسيا.
*لكن البعض قد يقول إن الولايات المتحدة دولة كبيرة وتستطيع العمل على أكثر من جبهة، ما رأيك؟
- واشنطن يمكنها العمل على أكثر من جبهة في حالة أننا لم نكن أمام حرب عصابات، لأن ما تقوم به الفصائل الفلسطينية هو نوع أو أحد أشكال حرب العصابات، وما يجري في أوكرانيا نفس الشيء تقريباً، وحروب العصابات تحتاج إلى دعم كبير وفي نفس الوقت فإن نتائجها غير مضمونة وتحتاج لفترة طويلة، والأمريكيون بطبيعتهم لديهم حرص دائم على عدم التورط في حروب العصابات من بعد ما حدث لهم في فيتنام.
*أخيراً، البعض يرى أن معركة النفوذ بين القوى الكبرى في مصلحة الشرق الأوسط، ويمكن من خلالها لدول المنطقة أن تناور لتحقيق بعض المصالح، ما رأيك؟
- في الواقع أنا أرى أن مصلحة الشرق الأوسط لن تتحقق إلا عندما تمتلك دوله القوة وهذا غير متحقق في الوضع الراهن، وبناء على ذلك فإن مصلحة المنطقة من صراع النفوذ تأتي من تحقيق التوازن في الشرق الأوسط أو اقتسام النفوذ بين أمريكا وروسيا والصين في حد ذاته يعيد المنطقة إلى مرحلة عدم الانحياز، وبالتالي يمكن لهذه الدول عدم تنفيذ الإملاءات الأمريكية بحذافيرها، أي المناورة وتنفيذ البعض ورفض البعض استناداً إلى روسيا والصين أو العكس، فكل طرف يخشى اتجاه دول الشرق الأوسط في هذه الحالة نحو الطرف الآخر.