أسرار إنشاء مصنع الطائرات المسيرة التركية بالسعودية
أثارت صفقة إنشاء مصنع للطائرات المسيرة التركية في السعودية الكثير من الجدل، خاصة عن توقيت الصفقة وأهميتها وتأثيرها على المحيط المجاور خاصة الأزمة اليمنية وسوريا والعراق.
أثارت صفقة إنشاء مصنع للطائرات المسيرة التركية في السعودية الكثير من الجدل، خاصة عن توقيت الصفقة وأهميتها وتأثيرها على المحيط المجاور خاصة الأزمة اليمنية وسوريا والعراق.
أوضح محمد أبو سبحة، الباحث المتخصص في الشؤون التركية، إن تركيا تحاول الاستفادة من عودة العلاقات الدبلوماسية مع دول الخليج لدعم اقتصادها عبر إنشاء مصنع للطائرات المسيرة التركية في السعودية، في المقابل، تحاول السعودية أيضاً الاستفادة من تطبيق الاتفاقية الدفاعية مع تركيا، من أجل أن تتحول لمستورد للسلاح التركي لتوطن تلك الصناعة في أراضيها.
وأكد أبو سبحة في تصريحات خاصة لوكالة فرات، أن فائدة الطائرات المسيرة كبيرة للمملكة العربية السعودية حتى تحافظ على أمن الحدود لأنه في الفترة الماضية كان هناك هجمات من الميليشيات الحوثية في اليمن على المصافي السعودية وشركة أرامكو النفطية على الحود، وهي ستكون سلاح رادع لمراقبة الحدود.
وأضاف الخبير في الشؤون التركية، أن الرياض أرادت تحويل عودة العلاقات مع تركيا في الحصول على مكاسب فورية لها، وليس مجرد تعاون ثنائي بين البلدين يصب في صالح.
وبيّن أبو سبحة، أن تركيا في النهاية من خلال رفع التبادل التجاري وزيادة الحركة السياحية بين البلدين، أرادت الاستفادة بتوطين صناعة السلاح، لأن تركيا لديها صناعة ناشئة وناجحة في مجال الدفاع وتسوق لجيرانها.
ونفى الباحث في شؤون التركية وجود ضغوط أمريكية في الصفقة الأخيرة، موضحاً أن الهيمنة الأمريكية تراجعت في عهد بايدن وخاصة مع السعودية، وتجلى ذلك بعد أن عاد خالي الوفاض من الرياض، ولم يستطيع زيادة إنتاج البترول، ففي بداية حكمه كان له تهديدات ثم ما لبث أن رضخ وذهب إلى المملكة ثم عاد صفر اليدين.
وأردف، أن توقيت الصفقة حيوي جداً لأن المملكة العربية السعودية وضعت أردوغان أمام تحد صعب، فإذا أراد أن تعود للاستثمارات السعودية لتركيا مرة أخرى فعليها أن تقبل تشاركها الرياض في صناعة السلاح، أو أن تصبح الرياض موطن لصناعة الطائرات المسيرة حتى وإن كانت تركية.
وأشار أبو سبحة إلى أن الشركة التي أبرمت معها الرياض الصفقة هي شركة خاصة يمتلكها صهر الرئيس التركي أردوغان، وتتحرك وفق توجيهاته، والعائد سيكون بشكل أكبر على الشركة، ولكن في المقابل سيكون هناك سماح وزيادة للاستثمارات السعودية في تركيا، أو بمعنى أدق مقابل توطين الطائرات المسيرة سيكون هناك توجيه رجال الأعمال السعوديين بزيادة الاستثمار في تركيا وتنشيط السياحة بين البلدين.
وأوضح الباحث في الشؤون التركية، أنه ستشجع الصفقة العديد من دول المنطقة على الاعتماد على تركيا كمصدر للسلاح وشريك دفاعي ومن تلك الدول العراق، والتي تحتاج لمثل هذا النوع من الأسلحة، كما سيسهم هذا الانتعاش الاقتصادي في دفع العمليات العسكرية التركية تجاه القوات والتواجد الكردي في سوريا والعراق.
بينما كشف رخا أحمد حسن، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، أن تلك الصفقة تمت أثناء زيارة أردوغان للمملكة الشهر الماضي، ويعود السر في ذلك أن إيران لديها مصنع متقدم جداً وأمد روسيا نفسها بطائرات مسيرة، وهي جارة للسعودية، ويوجد سباق تسلح بينهما، ورأينا أن الإمارات اشترت وتشتري طائرات مسيرة تركية، ولكن السعودية قررت أن تأخذ خطوة أكثر تقدماً وتقوم بعمل مصنع لتلك الطائرات لديها.
وأكد حسن في تصريح خاص لوكالة فرات، أن السلام بين الطرفين السعودي والايراني شيء، والأمن القومي شيء آخر، وذلك لأن الطائرات المسيرة تمكن الرياض من أنه في حالة حدوث حرب أو هجوم على مخازن النفط أو الغاز أو آبار البترول توجد قوة ردع تستطيع تحييدها، ويسمى تحييد السلاح، وهو مرتبط بأن تكون السعودية في عملية توازن مع جيرانها وصد أي هجمات سواء من إيران نفسها أو من وكلاء إيران الحوثيين.
واستبعد مساعد وزير الخارجية المصري الاسبق، أن تتورط تلك الطائرات الجديدة في مغامرات عسكرية في سوريا والعراق سواء في العمليات التركية هناك ضد الشعب الكردي أو كإسناد للقوات الأمريكية، وإنما هي محاولة استقلال سعودية للتخلص من الاعتماد على السلاح الأمريكي بشكل مباشر وتنويع مصادر السلاح سواء من روسيا أو الصين واخيرا تركيا.
وأوضح حسن، أن هذا التنوع جاء بعد أن أعلن بايدن أنه سيجعل السعودية دولة منبوذة مما جعل الرياض تغير موقفها من الحليف الاستراتيجي، رغم أن بايدن قدم اعتذار عملي بأن أصبحت أول دولة يزورها في الشرق الأوسط هي السعودية، ولكن هذا لم يمنع القيادة السعودية من الحذر وتنويع علاقاتها الدبلوماسية وهو ما حدث في القمة الخليجية الصينية، وعودة الحوار الاستراتيجي الخليجي مع موسكو، وهو ما انسحب بدوره على الجيش السعودي وصفقات التسليح حيث أصبحت لا تضع الرياض البيض كله في سلة واشنطن.