قمة البحرين.. العرب يبحثون عن "عصا موسى" لمواجهة قضاياهم الملحة

أي تحديات تلقي بظلالها، اليوم الخميس، على القادة العرب في قمتهم الـ 33 بالبحرين؟، لا سيما أزمة فلسطين التي بلغت من التعقيد مبلغاً.

تنطلق، اليوم، أعمال القمة العربية في دورتها الـ 33 بالعاصمة البحرينية المنامة، وقد تكون أتعس قمة، في ظل الحرب الدائرة في قطاع غزة بين إسرائيل وفلسطين منذ حوالي 8 أشهر، والتي خلفت قرابة 35 ألف قتيل ومائة ألف مصاب، فضلاً عن مئات آلاف نازحين ومشردين.

وإذا كان المشهد الفلسطيني بما يحمل من تعقيداته يفرض نفسه بشكل بديهي على أعمال أول قمة عربية تستضيفها مملكة البحرين، فإن هناك قضايا لا تقل سخونة وصعوبة، مثل الوضع في السودان وهجمات جماعة الحوثيين وتدخلات إيران في المنطقة، وأيضاً ملف الأزمة السورية الذي لم يحمل جديداً عن قمة جدة، وكأن العرب عليهم البحث عن "عصا موسى" للتعامل مع هذه الملفات والقضايا الملحة، ما يفرض تساؤلاً رئيسياً حول المطلوب من قمة اليوم، وما يمكن القيام به.

وضع آليات محاكمة إسرائيل

لا يتوفر وصف.

يقول الدكتور أيمن الرقب القيادي بحركة فتح الفلسطينية، في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن القمة العربية بالمنامة تأتي في ظروف غاية في التعقيد في المنطقة العربية وفي القضية الفلسطينية، حيث يتعرض الشعب الفلسطيني على مدار 8 شهور لحرب "إبادة جماعية" وسط عجز عربي ودولي عن وقف ذلك.

ويرى الرقب أنه هناك حراكاً دبلوماسياً عربياً على صعيد مؤسسات المجتمع الدولي، ولكن سبقت جنوب أفريقيا العرب عندما تقدمت بشكوى أمام محكمة العدل الدولية لمحاكمة إسرائيل، مشيراً إلى أن مصر لحقت بها وهذا أمر مهم جداً، فالقاهرة صاحبة ثقل كبير جداً في المنطقة العربية، وهي أقدم دولة وقعت اتفاق سلام مع إسرائيل.

ويقول الرقب إن الحديث عن محاكمة إسرائيل ضرورة يجب مناقشتها خلال هذه القمة، ومراجعة اتفاقيات السلام مع إسرائيل من قبل دول عربية مختلفة، وبالتالي يكون هناك مناقشات لهذا الأمر ووضع آلية، مشيراً كذلك إلى أن العرب لم يستخدموا سلاح النفط ولا الغاز أو الطاقة بشكل عام ضد إسرائيل.

وأكد القيادي الفلسطيني أنه بالإمكان الحديث، خلال القمة العربية، بالطبع عن وضع آليات للضغط على الولايات المتحدة الأمريكية لتضغط بدورها على إسرائيل بالالتزام بوقف الحرب على الشعب الفلسطيني وفي نفس السياق فتح آفاق جديدة أمام العملية السياسية.

مبادرة عربية جديدة؟

وأعرب الرقب عن أمنياته بألا تطرح هذه القمة مبادرة عربية جديدة للسلام، كما قيل إنه هذا الأمر تمت مناقشته في الغرب السرية، والطرح المقدم أقل من المبادرة العربية التي عرضت عام 2002 ولم تعيرها إسرائيل أي اهتمام، خاصة وأن اليوم اليمين المتطرف هو الذي يحكم دولة إسرائيل ولا يوجد من "يؤمن بالسلام"، حسب تعبيره، مشيراً إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كان لديه تصريح واضح حين قال إننا لن نسمح بقيام الدولة الفلسطينية.

ويلفت القيادي بحركة فتح إلى أن هناك حاجة إلى دعم مالي للسلطة الفلسطينية بشكل كبير جداً وللشعب الفلسطيني خاصة، الذي يحتاج إلى دعم عربي سخي لإعادة بناء غزة بعد أن تضع الحرب أوزارها، وكذلك أن تدفع السلطة رواتب موظفيها العاجزة على تقديمها خلال أكثر من عام.

وسرد الرقب في كثير من الأمور التي يرى أن على الدول العربية اتخاذها خلال القمة العربية، ويؤكد أن هناك حاجة ملحة لوضع آلية لتحقيق مصالحة فلسطينية وإلزام الأطراف جميعها برؤية عربية تفضي بخارطة طريق لإنهاء الانقسام الفلسطيني، وتشكيل حكومة تكنوقراط بقيادة واضحة، وإعادة ترتيب منظمة التحرير الفلسطينية التي أُسست بقرار عربي عام 1964، كي تكون بالفعل بيت جامع لكل الفلسطينيين.

ويؤكد السياسي الفلسطيني أنه ليس معيباً أن يعود الفلسطينيون إلى الحاضنة العربية بشكل قوي وشكل مهم، مؤكداً الحاجة كذلك إلى دعم منظمات المقاومة التي لا تزال صامدة حتى الآن على الأرض، داعياً كذلك إلى وضع رؤية لمعالجة كل هذه الملفات والملف الأخير وهو وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، معتبراً أنها عنوان صمود الشعب الفلسطيني وعنوان الحفاظ على هوية اللاجئين.

وعلمت وكالة فرات للأنباء (ANF)، من مصادرها، أنه بمبادرة من مملكة البحرين ستتبنى القمة العربية الـ 33 دعوة إلى إقامة مؤتمر دولي حول فلسطين، وهو أمر يذكر ولو نسبياً بالأجواء التي سبقت مؤتمر مدريد للسلام عام 1993، الذي كانت إحدى أهم نتائجه التوصل إلى اتفاقيتي أوسلو.

حدود الممكن

لا يتوفر وصف.

من جهته، يقول الدكتور محمد صادق إسماعيل مدير المركز العربي للدراسات السياسية، في اتصال هاتفي لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن القمة العربية مطلوب منها كثير وكثير بشأن القضية الفلسطينية، ولكن بالطبع هناك سقف وحدود من قبل الساسة العرب، بمعنى أن المطالب الشعبوية كثيرة جداً.

ويضيف أن المطالب الشعبية تصل إلى حد مطالبة العرب بـ "إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية والقضاء على إسرائيل وقطع العلاقات مع الولايات المتحدة"، لافتاً إلى أن هذه مطالب شعبية، لكن عندما ننظر إلى الساسة، فإن الوضع يختلف تماماً، لأن هناك فرقاً كبيراً بين الممكن والمتاح، مشيراً إلى أن القمة تأتي في ظروف استثنائية في عالمنا العربي، وبالتالي هناك طبعا آمال عريضة جداً، معرباً عن توقعه بأنه سيصدر بيان ختامي للقمة ممثل في بعض العناصر أولها تأكيد الدعم العربي للشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة وضرورة إنهاء العملية العسكرية الإسرائيلية.

ويرى أن البيان الختامي سيتضمن ما يحث على التكاتف من أجل دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة بكثافة، وأيضاً العمل على إقامة بنية تحتية جديدة داخل قطاع غزة للفلسطينيين، كذلك طبعاً دعم الجهود العربية وأيضاً الجهود الدولية في المحافل المختلفة سواء منها الأمم المتحدة لإقامة الدولة الفلسطينية.

قضايا أخرى

وتطرق الدكتور محمد صادق إسماعيل إلى قضايا أخرى سيتطرق إليها البيان الختامي المتوقع للقمة العربية، مثل ضرورة تكاتف الجهود العربية لدعم الأشقاء في السودان، من أجل إقامة السودان الموحد، وإنهاء الخلاف العسكري في الدولة السودانية، معتبراً أن القضيتين الفلسطينية والسودانية ستهيمنان على المناقشات في القمة العربية.

ويلفت مدير المركز العربي للدراسات السياسية إلى أن القادة العرب مطالبون خلال هذه القمة بحث التصدي للهجمات التي تقوم بها جماعة الحوثيين في جنوب البحر الأحمر، ما يهدد الأمن والملاحة العالمية، مضيفاً أن هذه هي القضايا الرئيسية التي ستهيمن على البيان الختامي.

وفي ختام تصريحاته لوكالة فرات للأنباء (ANF)، دعا إسماعيل إلى ضرورة الأخذ في الاعتبار أنه لا يجب النظر إلى القمة العربية باعتبارها عصاً سحرية، قائلًا إنه صحيح أن هناك آمالاً كبيرة جداً معقودة عليها، لكن يجب ألا نفتقد إلى النظرة الواقعية، لأنه كما نعلم أن هناك أيضاً حسابات أخرى كثيرة جداً للسياسة في العالم العربي، منها طبعاً الإبقاء على المصالح والعلاقات الاستراتيجية مع الدول الكبرى، ومنها ما يتعلق بحفظ الأمن القومي العربي.