تتصاعد الأوضاع في كابول في ظل الصعود السريع لحركة طالبان وسيطرتها على البلاد بعد الانسحاب الأمريكي غير المدروس من أفغانستان، وتركها الدولة لحركة طالبان لتعود من جديد وتتصدر المشهد بعد عقدين من دخول الولايات المتحدة إليها بدعوى محاربة الإرهاب والقضاء على الحركة.
وبينما تتزايد التداعيات الراهنة في أفغانستان التي عادت لتصدر مشهد الاهتمام العالمي بدى قادة العالم في حالة من التخبط تجاه الوضع ما أدى إلى خروج دعوات بعزل الرئيس الأمريكي جو بايدن وتحميله مسؤولية ما يجري وما يتوقع حدوثه بسبب ذلك، كما قرر قادة مجموعة السبع الاجتماع لبحث تطورات الوضع الأفغاني وتأثيراته المحتملة على الإقليم والعالم وسط تخوفات من تزايد أعداد اللاجئين.
وفي السياق وفي إطار تحليله للمشهد الأفغاني منذ بدايته يقول دكتور محمد صادق اسماعيل مدير المركز العربي للدراسات السياسية، في تصريحات خاصة لوكالة فرات للأنباء ANF: "ما حدث من سيطرة طالبان على كابول وبالتالي سيطرتها على معظم المدن الأفغانية حاليًا أو سعي للسيطرة على أفغانستان بأكملها يطرح عدة تساؤلات سواء فيما يتعلق بالموقف الأمريكي طيلة عشرين عام داخل الدولة الأفغانية".
وأضاف "منذ عام ٢٠٠١ احتلت الولايات المتحدة الأمريكية أفغانستان من أجل السيطرة على ربوع الدولة ومن أجل تحقيق ونشر الديموقراطية وحقوق الإنسان إضافة طبعا إلى وقف كل الهجمات التي تقوم بها كابول وأخواتها سواء القاعدة أو الجماعات الأخرى، لكن بعد عشرين عام وبعد خروج القوات الأمريكية، شاهدنا طالبان أقوى مما كانت وبالتالي التساؤل الرئيسي ماذا كانت تفعل الولايات المتحدة الأمريكية طيلة عشرين عام هل كانت تحارب طالبان أو هل كانت تسعى لإخماد حركة طالبان أم أنها كانت موجودة فقط في أفغانستان ولم يكن لها اي علاقة بطالبان".
وتابع: "من جانب آخر اتخيل أن الولايات المتحدة الأمريكية مسؤولة عن ما يحدث حاليا فيه أفغانستان سواء من خلال إعادة المشهد من جديد لعام ٢٠٠١ مرة أخري من خلال وجود صراع سياسي وصراع أمني داخل الدولة الأفغانية من خلال تنظيمين تنظيم غير رسمي وغير معترف به هو طالبان لكنه الأقوى وتنظيم أضعف معترف به هو الحكومة الأفغانية، حتى أن رئيس الحكومة اشرف غني ترك مقاليد الدولة وهرب كما حصل".
وأوضح: أنا اعتقد أن المواقف الدولية حاليا تتأرجح بين عدم تأييد طالبان والمطالبة بموقف حازم تجاه طالبان وما إلى ذلك، لكن المشكلة هنا أن الموقف العام تهديد لأمن آسيا؛ بمعنى أن الأمن الأسيوي حاليا مهدد سواء فيما يتعلق بالأهمية الجيوسياسية لأفغانستان باعتبارها تطل على عدة دول، باعتبارها أيضا تمثل تهديد الدول المجاورة. لا ننسى أن طالبان ربما بعد سيطرتها على أفغانستان تحتاج للتوسع مرة أخرى التوسع خارج الحدود الأفغانية أو حتى ربما محاولة السيطرة على بعض الدول كمداخل ومخارج لأفغانستان.
واستطرد: اتخيل أن بعض الدول ربما تسعى إلى تأييد طالبان وإن كان بشكل غير علني، مثل تركيا على سبيل المثال، إضافة إلى ما يطلق عليه المنظمات أو الجماعات غير الدولية أو غير الإقليمية مثل بعض الجماعات المسلحة وما إلى ذلك خاصة أن هناك العديد من الجماعات ذات المرجعية الدينية، وطبعا الإسلام منها بريء، تدعم طالبان وتسعى إلى مسألة المباركة لطالبان وطالبان حاليا تنظر إلى نفسها باعتبارها منتصر في الحرب دامت عشرين عام ثم خرجت الولايات الامريكية بخسائر تقدر بحوالي تريليون دولار".
وأضاف "أنا اتخيل أن كل الأمور تشير حاليا إلى مسألة أن هناك نوع من التهديد للأمن الاسيوي ربما ينتقل العديد من مواطني الدولة الافغانية إلى دول أخرى، وبالتالي يمثلوا مشكلة أيضا فيما يتعلق بالخروج حتى إلى الدول الأوروبية وإن كان عبر البوابة الأسيوية".
ولفت إلى أن "الموقف الامريكي حاليا يعيدنا لمسألة هامة جدا، وهي مسألة الصراع، مرة أخرى الصراع الايدولوجي بين جماعات الإسلام السياسي وأيضا الليبرالية الغربية وهي الفكرة التي طرحت في عام ٢٠٠١ بعد أحداث ١١ سبتمبر عبر كتابات همويل هنتينجتون تحدثت عن مسألة صدام الحضارات أو صراع الحضارات، وكذا الأمريكي من أصل ياباني فوكوياما الذي تحدث عن نهاية التاريخ والانتصار لليبرالية الأمريكية وما إلى ذلك، رأينا كتابات عدة ومصطلح الكراهية الأمريكية عندما دشن وزير الأمريكي في ذلك الوقت مسألة لماذا يكرهوننا؟".
وأشار إلى أن هذه الأمور كلها ربما تُعاد مرة اخرى للواجهة، موضحا أن المتابع يجد أن الولايات المتحدة الأمريكية حاولت استغلال ورقة الإسلام السياسي بعد عام ٢٠٠١ حتى ٢٠١٠، ثم بعد ذلك حاولت استخدام ورقة الثورات العربية إلا أن الورقتين لم يفلحوا وبالتالي عادت إلى خزائنها القديمة مرة أخرى واستخدمت مرة أخرى حركة الاسلام السياسي أو ورقة الإسلام السياسي من خلال طالبان لكن بصورة جديدة وصورة مختلفة.
وأكد أنه ومن هذا السياق فإن "تخيل الأمور كلها تحتاج إلى وقفة مرة أخرى لسؤال عريض جدا وهي هل تنجح أمريكا في أي دولة تدخلها؟ اعتقد أن الفشل هو العنوان العريض لدخول أمريكا لأية دولة من دول العالم انظري إلى العراق على سبيل المثال، انظري إلى افغانستان ومن قبلهم فيتنام".
واختتم حديثه قائلا: "اعتقد الولايات المتحدة الأمريكية هي خديعة كبرى وليست الجنة الموعودة كما يطلق عليها البعض".