كتاب مصريون يعلقون على موقف مجلس وزراء أوروبا حيال نظام التعذيب والإبادة المفروض بحق أوجلان

تتشدق أوروبا بالدفاع عن الحقوق والحريات، لكن يبدو أن مصالحها مع النظام الديكتاتوري التركي أقوى من أي حقوق، ما يظهر في موقف مجلس وزراء أوروبا المتخاذل تجاه نظام التعذيب والإبادة المفروض ضد المفكر عبد الله أوجلان.

لم يتضمن موقف لجنة وزراء مجلس أوروبا التي اجتمعت مؤخراً أي شيء يمكن أن يدفع النظام التركي إلى المضي قدماً نحو إنهاء نظام التعذيب والإبادة المفروض على أوجلان أو اتخاذ خطوات جادة نحو تخفيف حدة الانتهاكات الحقوقية التي تتفاقم على مدار السنوات الماضية، وتم الاكتفاء بعبارات مائعة اعتبرها مراقبون درباً من الخذلان المعبر عن أن هذه الدول لا يعنيها إلا مصالحها فقط حتى لو كان ذلك على حساب التضحية بالحقوق والحريات.

وكانت منظومة المجتمع الكردستاني (KCK) أبدت امتعاضها من موقف لجنة وزراء مجلس أوروبا حيال نظام التعذيب والإبادة المفروض على القائد عبد الله أوجلان، واعتبرت أنه أعطى أنقرة مزيداً من الوقت وشرعية للجرائم والانتهاكات التي ترتكب في ملف حقوق الإنسان من قبل النظام الأردوغاني، مؤكدة أنه كان يجب على تلك اللجنة اتخاذ إجراءات مباشرة.

أبعاد الموقف الأوروبي

إلهامي المليجي: التهديدات التركية للقائد دليل على يأس تركيا في كسر عزيمته -  *PYD*

يقول الكاتب الصحفي المصري إلهامي المليجي، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن الموقف الأوروبي تجاه حقوق الإنسان في تركيا يتسم بنوع من الميوعة لأسباب سياسة معقدة أولها الاعتبارات الجيوسياسية إذ أن أنقرة كما هو معلوم عضو في حلف "الناتو" وتتمتع بموقف استراتيجي يربط بين أوروبا وآسيا ويطل على مناطق تشهد نزاعات مثل الشرق الأوسط والبحر الأسود، ما يجعل الأتراك شريكاً حيوياً للغرب خاصة في القضايا الأمنية والهجرة غير الشرعية.

أما عن البعد الثاني، فيقول "المليجي" إنه منذ أزمة اللاجئين التي بدأت في 2015 أصبحت تركيا تلعب دوراً رئيسياً في احتواء تدفق موجات اللاجئين إلى أوروبا، وبفضل اتفاقية الهجرة مع الاتحاد الأوروبي فإن أنقرة لديها نفوذاً كبيراً على الأوروبيين الذين يخشون تدفق المهاجرين، ومن ثم فإنهم يرون أن الضغط على النظام التركي فيما يتعلق بحقوق الإنسان قد يأتي بتأثير سلبي على التعاون في ملف الهجرة.

ويشير الكاتب الصحفي المصري إلى بعد ثالث ذي علاقة بالمصالح الاقتصادية، ويقول إن تركيا سوق كبير أمام أوروبا وشريك تجاري مهم للاتحاد الأوروبي ويتبادلان السلع والخدمات باستمرار، ولهذا فإن الدول الأوروبية تتجنب دائماً مسألة التصعيد الحاد تجاه النظام التركي للحفاظ على هذه المصالح الاقتصادية.

وهناك بعد رابع يتحدث عنه "المليجي" وهو ذي طابع أمني، إذ يقول إنه نظراً لدور تركيا في المنطقة وعلاقتها مع روسيا ووجودها في الأزمة السورية بقوة، فإن الدول الأوروبية بحاجة إلى التنسيق معها في ظل الأزمة الأوكرانية، وبالتالي أي توتر مع أنقرة هنا قد يعرقل الجهود الأوروبية في هذه الملفات الحساسة سواء روسيا أو سوريا.

أما البعد الخامس وهو خاص بالانقسام داخل الاتحاد الأوروبي، فيقول "المليجي" إن الاتحاد الأوروبي ليس موحداً في سياساته تجاه تركيا، فدولة مثل فرنسا أو ألمانيا موقفهما أكثر انتقاداً وهناك أخرى تتخذ مواقف أكثر ليونة بسبب مصالحها، مشيراً إلى أن هناك بعداً سادساً يرتبط بمفاوضات عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي وهي متوقفة عملياً، لكن بعض أطراف الاتحاد ترى فيها أداة ضغط عند الحاجة، وهذا يتطلب أن تبقى القنوات الدبلوماسية مفتوحة مع تركيا، ومن هنا تأتي مواقف أوروبا المائعة من انتهاكات الحقوق في تركيا نتيجة خليط من التوازنات السياسية والأمنية.

نفاق الاتحاد الأوروبي

وأعرب الكاتب الصحفي المصري عن قناعته أن موقف وزراء أوروبا من قضية عبد الله أوجلان يعكس توازنات دقيقة ومعقدة بين الضغوط السياسية داخل تلك الدول والاعتبارات الجيوسياسية التي تفرضها العلاقة مع تركيا، مشيراً إلى أن هناك عوامل عديدة تحول دون صدور قرار أوروبي جاد.

وأوضح أن "أوجلان" كقائد لحزب العمال الكردستاني بالنسبة لأوروبا يمثل شخصية جدلية في ظل تصنيف الحزب كمنظمة إرهابية من قبل تركيا وأوروبا والولايات المتحدة، ما يجعل التعامل مع قضيته أمراً حساساً رغم ما يرتكب من انتهاكات حقوقية تجاهه وعزله عن أهله ومحاميه على مدار سنين، وبالتالي تتجنب الدول الأوروبية اتخاذ موقف حاد من قضيته لتجنب التأثير السلبي لتوتر العلاقات مع أنقرة.

وأضاف أن العلاقة الأوروبية مع تركيا معقدة وبها عديد من مجالات التعاون سواء أمنياً أو في ملفات الطاقة أو الهجرة أو في بعض النزاعات التي تملك أنقرة أوراق ضغط فيها، وخاصة التهديد الدائم بفتح الحدود نحو المهاجرين إلى أوروبا وتحول الأمر إلى نوع من الابتزاز التركي، وبالتالي أي توتر قد يؤثر سلباً على هذا التعاون.

وأشار كذلك إلى أن حالة الانقسام التي تشهدها دول الاتحاد الأوروبي تجاه التعامل مع تركيا تؤدي في نهاية المطاف إلى مواقف دبلوماسية أقل حدة ومجرد دعوات لأنقرة باتخاذ خطوات، إضافة إلى ذلك فإن لجان وزراء أوروبا قد تجد نفسها مكبلة بإجراءات بيروقراطية وتحتاج موافقات معينة وبالتالي يصعب عليها اتخاذ موقف موحد تجاه بعض القضايا مثل قضية عزلة أوجلان أو الانتهاكات الحقوقية في تركيا.

وفي ختام تصريحاته يؤكد "المليجي" أنه لهذه الأسباب المختلفة يبدو أن الاتحاد الأوروبي يفضل اتباع سياسة متوازنة تعتمد على مجرد توجيه الانتقادات دون تصعيد الأزمة، خشية تداعيات أمنية وواسعة قد تؤثر على الاستقرار في المنطقة وعلاقتها مع تركيا، معتبراً أن هذا يصل بنا إلى قناعة مفادها أن الاتحاد الأوروبي منافق ويكيل بمكيالين طبقاً لمصالحه، فلأنه حريص على مصالحه مع النظام التركي والأخير يدرك ذلك فيلعب بهذه المصالح للضغط على أوروبا لعدم اتخاذ مواقف جادة في ملفات حقوق الإنسان وفي مقدمتها قضية القائد والمفكر عبدالله أوجلان.

وحسب ما نقلت وسائل إعلام مختلفة، فقد منحت لجنة مجلس وزراء أوروبا عاماً للسلطات التركية من أجل تطبيق قانون الحق في الأمل، واكتفت بمجرد إدانات لعدم تطبيقه، وبالتالي فإن هذه اللجنة عملياً تمنح النظام التركي العنصري فسحة من الوقت لكي يواصل انتهاكاته، بدلاً من اتخاذ إجراءات تدفعه إلى التراجع عن تلك الانتهاكات الحقوقية التي لا تتوقف.

مواصلة التخاذل الأوروبي

وليد الرمالي Archives - مركز العرب للأبحاث والدراسات

بدوره، يقول الكاتب الصحفي المصري وليد الرمالي، في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن الموقف الأوروبي متخاذل كالعادة ويضع مصلحته فوق كل اعتبار، ومصالح القارة العجوز حالياً مع تركيا كبيرة ولن تلتفت إلى أي انتهاكات حقوقية تركية، معتبراً أن دول الاتحاد مثل شركة كبيرة متعددة الجنسيات لا يعنيها إلا أرباحها فقط.

ويلفت هنا إلى أنه يجب الأخذ في الاعتبار أنه كانت هناك رغبة أوروبية في إدخال السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وهذه العضوية تتطلب موافقة جميع أعضاء الحلف وهنا كانت تركيا تعطل الأمر، وقد وافقت أنقرة وتلاعبت بهم مقابل طلبات عدة في مقدمتها التضييق على نشاطات المجتمعات الكردية داخل الدول الأوروبية وخاصة السويد التي كان لها باعاً ومواقف مؤيدة بشدة للكرد، إلا أنها تغاضت عن ذلك مقابل عضوية "الناتو".

ويقول الرمالي إنه في ضوء تلك المصالح لا يتوقع أن تتخذ أوروبا موقفاً جاداً فيما يتعلق بعزلة عبد الله أوجلان أو انتهاكات حقوق الإنسان من قبل النظام التركي بصفة عامة، ولو كانت أوروبا ستفعل ذلك فكان من باب أولى أن ترفض تدخلات الاحتلال التركي في شمال شرق سوريا أو في كردستان العراق أو في ليبيا.

ودعا الكاتب الصحفي المصري إلى عدم انتظار موقف أوروبي مختلف فيما يتعلق بحالة حقوق الإنسان في تركيا وانتهاكات نظام أردوغان، لأن دول الاتحاد لا تعترف إلا بمصالحها ومصالحها هنا مع تركيا مباشرة، والأخيرة لا شك قوة إقليمية لديها علاقاتها ومنافعها مع مختلف القوى الدولية وتعرف كيف توظف هذه العلاقات وتتلاعب بها لخدمة مصالحها الخاصة.