خبير في الأمن الإقليمي: الدعوة إلى الإفراج عن أوجلان تستحق الدعم كونها قضية إنسانية

قال د.أكرم حسام خبير الأمن الإقليمي إن الدعوة إلى الافراج عن القائد عبدالله أوجلان تستحق الدعم من الجميع وليس من أصدقاء الكرد وحدهم، كونها قضية إنسانية قبل أن تكون سياسية، مشددًا على أن أوجلان هو القادر على إعادة الإمساك بأوراق الملف الكردي من جديد.

تزامنا مع الذكرى الرابعة والعشرين للمؤامرة الدولية وإلقاء القبض على القائد عبدالله أوجلان أكد الخبير في الأمن الإقليمي الدكتور أكرم حسام، "أننا أمام مشهد مختلف إزاء هذه القضية، ذات الأبعاد المتشابكة، فالمؤامرة كانت واضحة بالفعل في عملية اعتقال عبد الله أوجلان، حيث أرادت بعض الأطراف الإقليمية المتحالفة بالأساس مع القوى الرجعية في المنطقة العربية أن تجهض مشروع الدولة الكردية، الذي لمع نجمه مع بداية ظهور الزعيم الكردي أوجلان، من خلال قدرته على طرح خطاب وطني قومي، التف حوله الكرد  من كل جانب، وتوحدت الأجندات الفرعية لبعض القوى الكردية خلف أوجلان، مما مثل مصدر قلق كبير لتركيا وللدول التي تتوزع على أراضيها القومية الكردية".

وأضاف د.حسام في تصريحات خاصة لوكالة فرات للأنباء ANF "لذلك كانت عملية اعتقال أوجلان نقطة تعثر للمشروع القومي الكردي، ومع ذلك تمكن أوجلان من خلال كارزميته المعروفة وإيمان الكرد به من الاستمرار في موقع القيادة من خلف الأسوار، وتمكن بالفعل من تطوير عدة مبادرات فكرية وسياسية ساهمت في تقوية الموقف السياسي الكردي، وحافظت على تماسكه حتى الآن".

ولفت إلى أن "المشهد اختلف الآن من عدة زوايا، فداخليا أصبحت القوى الكردية في سوريا على سبيل المثال محط أنظار دول العالم، ولعل دورها في الحرب ضد داعش، وآخرها دور قوات سوريا الديمقراطية في إحباط هجوم داعش الضخم على سجن الصناعة بالحسكة، كان خير دليل على أن هذه القوى الكردية يمكن الوثوق بها والاعتماد عليها في الحفاظ على الأمن الإقليمي ومنع انتشار التطرف والإرهاب في المنطقة".

وتابع: الآن أصبحت الإدارة الذاتية في سوريا طرفا في المعادلة الداخلية لا يمكن تجاهله، والمكتسبات التي تحققت للكرد في سوريا في السنوات القليلة الماضية يصعب التنازل عنها أو التفريط فيها، فالإدارة الذاتية في مناطق شرق الفرات حليف رئيس للولايات المتحدة، ولعلها علاقات جيدة مع روسيا، وتمكنت من مد قنوات التواصل السياسي مع كثير من الدول في العالم ومنها مصر، وبالتالي أولى ملامح التغيير في المشهد بعد سنوات من اعتقال أوجلان هي بروز الدور الكردي في المعادلة السياسية في سوريا.

وأردف: ثاني المتغيرات؛ يتعلق بالموقف داخل تركيا، فتركيا اليوم في وضع اقتصادي صعب، والمشهد الداخلي هناك مرتبك، وهناك مساعي من المعارضة لإسقاط نظام أردوغان،، الذي قوض من خلال كثير من السياسات التي اتخذها من طموحات الكرد في تركيا، وتمكن من بناء معادلة إقليمية تحالف فيها مع إيران لمحاصرة أي محاولات كردية لتطوير مشروعهم السياسي، وبالتالي تركيا، اليوم، أضعف سياسيًا واقتصاديًا وأعداء تركيا اليوم أكثر من أصدقائها، بعد فشل سياسة صفر مشاكل التي بدأ بها أردوغان حكمه، وهذا متغير مهم سيمثل مساحة حركة لكرد تركيا للبحث عن حلفاء جدد، يدعمون موقفهم المشروع ومطالبهم العادلة، سواء من داخل تركيا أو خارجها.

وأشار د.أكرم حسام في حديثه لوكالة فرات إلى أن "ذكرى اعتقال عبد الله أوجلان تأتي والمنطقة العربية في واقع جيواستراتيجي مختلف، سوريا أصبحت دولة ضعيفة، مستباحة أراضيها من قوى إقليمية ودولية، والقرار السوري لم يعد تصنعه دمشق وحدها وإنما تشارك فيه عواصم أخرى". 

وأوضح أن العراق بدوره "لا يزال مأزوما سياسيا، وأن هناك انقسامات داخل بين الكتل السياسية الرئيسة، فالمكون الشيعي منقسم على نفسه بين قوى الإطار التنسيقي وقوى الصدر، والمكون الكردي الذي ظل متماسك لسنوات طويلة تعرض هو الآخر لانقسامات بداخله بين الحزبين الكبيرين اللاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي الكردستاني، ولعل معركة اختيار رئيس الجمهورية خير دليل".

ولفت إلى أن "الموقف الكردي في العراق أفضل مما كان عليه الحال في وقت اعتقال أوجلان، فكردستان العراق من أفضل الأماكن أمنا في العراق، والتجربة السياسية بالإقليم متقدمة للغاية، والوضع الاقتصادي أفضل، مع ذلك تظل التدخلات التركية والإيرانية في العراق مسار قلق لهذه التحربة، فتركيا أنشأت قوات في شمال العراق دون موافقة بغداد، وهذه القواعد تتعرض لقصف مستمر من مجهولين يعتقد أنهم تابعين لإيران، كذلك التفاعلات الجارية في قضاء سنجار، تؤكد أن الكرد اليوم يتعرضون لضغط تركي إيراني مزدوج، وورقة داعش يتم استغلالها للضغط على الوجود التركي ومحاولة حصاره في نطاقات ضيقة".

وتابع د.أكرم حسام: ربما المشهد الوحيد الذي لم يطرأ عليه تغيير كبير هو وضع الكرد في ايران، حيث لم يطرأ عليه تغيرات ملموسة، حيث لا يزال الحصار الإيراني للكرد في إيران قائما بمستويات عالية، منعتهم من تحقيق أية مكتسبات، مقارنة بكرد سوريا وكرد العراق وحتى الكرد في تركيا.

وأكد أن المعادلة تغيرت بالفعل حسب ما تم التطرق له سابقا، وأن الكرد باتوا في وضع جيواستراتيجي أفضل، لافتًا إلى أن "القضية الكردية باتت أكثر  ثباتا على الساحة الدولية، الكرد أنفسهم أعادوا تقديم أنفسهم للقوى العظمى وللعالم كله بأنهم شعوب مسالمة بعيدة عن التطرف والإرهاب، بل إنهم شعوب مقاتلة وشرسة في الدفاع عن مناطقهم وفي صد موجات التطرف التي ترعاها تركيا وإيران عبر ورقة داعش". 

وقال: إن المشروع السياسي الكردي بات أكثر نضوجًا من قبل، ولعل المبادرات التي قدمها أوجلان من داخل السجن ساهمت بالفعل في نضج هذا المشروع وسد الكثير من الثغرات فيه، فأفكار مثل الديموقراطية الاشتراكية وغيرها تمثل نقلة نوعية في مشروع سياسي لا يزال يحمل شعلته عبد الله أوجلان من داخل معتقله

وأضاف "إن تطبيق مشروع أوجلان يحتاج للحوار مع الأطراف المعنية، لذلك لابد أن تصطف الدول المعنية بالاستقرار في الشرق الأوسط وراء حملة الإفراج عن عبد الله إوجلان، فربما يكون هو الشخص الوحيد حاليا في المكونات الكردية على اختلاف ألوانها ومشاربها ومناطقها القادر على تقديم صوت كردي واحد عقلاني، مدرك للتوزانات الدولية في المنطقة وحدود الحركة المتاحة".

وأشار إلى أن معادلة سايكس بيكو، التي مر عليها اكثر من ١٠٠ عام والتي كان الكرد من ضحاياها، أصبحت حاليًا قابلة للتغيير، وربما نشهد خلال الفترة القادمة محاولات لإعادة ترتيب المنطقة على أسس مختلفة، وعبر عن اعتقاده بأن الكرد سيكونوا فرس الرهان لتغيير بعض المعادلات الإقليمية خاصة في منطقة الشام والعراق وتركيا،

وشدد على أن "خطوة الإفراج عن أوجلان تستحق الدعم من الجميع، وليس فقط أصدقاء الكرد، فهي قضية إنسانية قبل أن تكون قضية سياسية، وإخراج أوجلان القادر على إعادة الإمساك بأوراق الملف الكردي من جديد من شأنه إعادة الاستقرار في المنطقة، بصفته أحد الزعامات التاريخية للكرد، والذين يملكون ملكات خاصة للعمل والحوار والتفاوض وبناء التحالفات وغيرها".

واستطرد: "الكرد جزء من تاريخ وجغرافيا الأمة العربية والإسلامية، وأدوارهم مشهودة منذ فجر الإسلام وحتى اليوم، وكان التعايش بين كل الطوائف والاثنيات والقوميات والديانات قائمًا حتى جاءت لعنة سايكس بيكو التي تعمدت خلق بؤر توتر ونزاعات لا تزال مستمرة لليوم".

وأضاف "المنطقة العربية باتت بحاجة للبحث عن معادلة استقرار وتعايش جديدة، تجمع الكرد مرة أخرى تحت سقف الأمة العربية، كقوة دعم واسناد تم اختبارها مرات ومرات، وكانت دوما عند مستوى التحدي، لذلك اعتقد ان الدول العربية والشعوب العربية والمنظمات الحقوقية العربية المنتشرة في أرجاء العالم العربي، مطالبة بإعادة النظر في مسالة ادارة التعايش بين الأقليات والإثنيات المختلفة، وفق صيغ ومعادلات تستوعب الاختلافات والتباينات بين الفرق المختلفة".

وتابع: "مع ذلك أتصور أن تغير المعادلة بالنسبة للكرد يبقى رهينة بالتوزانات الدولية أكثر، فكما كان الكرد أحد ضحايا هذه التوازنات في بدايات القرن الماضي، ربما يكونون الحلقة الأولى من حلقات قادمة لإعادة هندسة المنطقة العربية بالكامل".

وحول المؤتمرات الأخيرة حول الحوارالعربي الكردي التي استضافتها مؤخرا بعض العواصم العربية قال: لا شك أن مثل هذه الفعاليات التي تتناول الحوار الكردي العربي على درجة كبيرة من الاهمية،  فالكرد جزء من تاريخ الامة العربية، وعاشوا مع العرب، وعاش معهم العرب آلاف السنيين، وفي عالم اليوم المعقد، وفي ظل تدخلات إقليمية طالت الكرد والعرب معا في شمال سوريا والعراق، وحولتهم معا لخيمة لجوء واحدة، قد وحدت بينهم المصير المشترك، وجعلت العرب والكرد في خندق واحد في وجه الطامعين في المنطقة، سواء من تركيا أو إيران أو من دول أخرى.

وأكد أنه "من المهم أن تصل توصيات هذه المؤتمرات إلى صُناع القرار العربي، فهذا هو نبض الشعوب وأراء النخب في المنطقة، ومن المهم الاستماع لها".

وشدد د.أكرم حسام خبير الأمن الإقليمي في ختام حديثه مع وكالة فرات للأنباء على أن المؤامرة الحالية على الكرد باتت منحسرة بين القوس الإيراني والتركي، وأن الآمال معقودة على دعم عربي حقيقي، ليكون حائط صد أمام هذه المؤامرة الطامعة في خيرات المنطقة، والدعم العربي لحملة الإفراج عن عبد الله أوجلان ستزعج الأطراف الإقليمية، وستكون بمثابة تصحيح الموقف وإعادة الاعتبار لشعب كردي عريق نفخر ونعتز به وبتاريخه وحاضره ومستقبله".