ثمة وجهة نظر أسهب الجميع فيها وهي التأكيد على أن اتفاق عودة العلاقات بين "الرياض" و"طهران" يعد انتصار للدبلوماسية الصينية التي رعت هذا الاتفاق، لكن ثمة وجهة نظر أخرى لها وجاهتها ترى أن السعودية ربما قرأت ما يلوح في الأفق بشأن ضربة أمريكية لإيران، ورأت الابتعاد عن هذه الأزمة وتجنيب نفسها كثير من التبعات السلبية.
مخاوف السعودية التي لم تتفهما واشنطن
يقول محمد عبادي الباحث في الشأن الإيراني، لوكالة فرات للأنباء، إن هناك 3 نقاط رئيسية إحداهما تتضمن الرؤية المطروحة بشأن تحييد السعودية نفسها عن هذا الصراع، موضحا أن أول هذه النقاط أن السعودية تستشعر أن الولايات المتحدة لم تعد تأبه للتهديدات التي تواجه دول المنطقة أو حلفائها في الشرق الأوسط.
ويدلل "عبادي" على هذا الطرح فيقول إنه في عام 2019 عندما هاجمت إيران عبر حلفائها الحوثيين منشئات أرامكو السعودية، كان رد الفعل الأميركي صادما، والأمر الثاني عندما رفع الرئيس الأميركي جو بايدن الحوثيين من قوائم الإرهاب، وهذا أعطى مؤشرات أن واشنطن لا تتفهم بقدر كاف التخوفات السعودية، ولهذا قررت السعودية أن تتبع سياسة تقوم على تنوع المحاور لا تقتصر على العلاقة مع واشنطن فقط.
محاولات سعودية لتجنب تبعات الحرب مع إيران
والنقطة الثانية التي تحدث عنها الباحث في الشأن الإيراني هي أن المنطقة تعيش تصعيدا كبيرا على وقع التهديدات الإسرائيلية لإيران والتحرش العسكري الإسرائيلي بإيران، وبالتالي احتمالية دخول المنطقة في حرب مفتوحة قائمة، وهذه الحرب ستشعل الإقليم وتهدد الأمن والاستقرار ويهدد مصالح دوله الرئيسية التي تعتمد مصالحها واستثماراتها على الأمن في المضائق.
وأضاف أنه مع التقدير الاستراتيجي لدى المملكة بأنه في حال تعرضت إيران لأية ضربات فإن مسرح الرد الإيراني سيكون في المنطقة العربية عبر ضرب المضائق والممرات الرئيسية، فإن "الرياض" تبحث عن قطع الطرق عن سيناريو كهذا لن تضر منه إلا الدول العربية بل ربما لن تضر منه إسرائيل، وبالتالي فالسعودية رأت تحييد نفسها عن هذه المسألة، وقطع الطريق بشكل مبكر على اشتباك واسع في المنطقة تضار منه الدول العربية.
ولطالما هددت إيران بأنها حال تعرضت لأي ضربات أميركية، فإنها سترد بضرب مصالح واشنطن في الخليج، ومن ثم تذهب وجهة نظر إلى أن "الرياض" بهذا الاتفاق ذهبت نحو تهدئة مع "طهران" وحيدت نفسها عن هذا السيناريو.
البحث عن حليق موثوق لدى إيران
وعن النقطة الثالثة، يقول "عبادي" إن الرياض ترى أنه لإبرام اتفاق عودة العلاقات مع إيران لا بد من البحث عن حليق له ثقة لدى طهران في ظل عدم ثقة الأخيرة في الدول الغربية، وبالتالي لن يؤدي هذا الدور إلا الصين، كون العلاقات بين طهران وبكين استراتيجية.
ولفت "عبادي" إلى أنه في ظل التقديرات التي تشير إلى أن الصين في ظل التحولات العالمية ستلعب دورا كبيرا خلال الفترة المقبلة، فإن الصين تصبح شريكا موثوقا للطرفين يمكنه رعاية أي اتفاق وفي نفس الوقت الضغط على طهران للالتزام به كون الأخيرة تعتمد اقتصاديا على الصين.
الصين طرف يمكنه الضغط على إيران
النقطة الأخيرة التي ذكرها "عبادي" يتفق معه فيها عماد المديفر الكاتب والباحث السعودي والذي قال، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء، إنه لطالما كانت السعودية كما هي الصين، مؤمنة بأهمية التواصل الإيجابي والحوار بين دول المنطقة نحو ترسيخ مفاهيم حسن الجوار والانطلاق من أرضية مشتركة لبناء مستقبل أكثر استقرارا للجميع.
ويرى "المديفر" أن الرعاية الصينية للاتفاق فرصة حقيقية ليعود النظام في طهران عن سياساته الجامدة، على حد قوله، وأنه لم يعد له مزيد من الفسحة ليعتقد فيها أنها يستطيع مخادعة الجميع بلعبة المفاوضات التي لا نهاية لها، لا سيما وأن بكين تمتلك بالفعل قواها الذكية (الناعمة والاقتصادية الخشنة في آن) التي تستطيع من خلالها الضغط الفاعل على طهران ولتنعم المنطقة بالأمن والأمان والازدهار.
سقوط فكرة قيام حلف عسكري عربي ضد إيران
يذكر أنه على هامش الصراع مع إيران، كانت وسائل الإعلام الغربية تعج خلال الفترة الماضية بعديد من الأطروحات حول قيام تحالف عربي ضد إيران، منها على سبيل المثال فكرة "الناتو العربي" الذي روج البعض إلى أنه ربما يكون جيشا مساندا لأميركا حال وقع السيناريو العسكري ضد "طهران".
في هذا السياق، يرى الدكتور أيمن سمير الخبير في العلاقات الدولية أن المصالحة السعودية الإيرانية أسقطت تماما تلك الأطروحات وفكرة "الناتو العربي" التي كان يروج لها، مضيفا، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء، أن الاتفاق يبعد كذلك أي شبهة تتعلق بأن الدول العربية يمكن أن تشكل تحالفا ضد إيران.
ويرى "سمير" أن هذا الاتفاق أثبت أن الدول العربية دول تحترم القانون الدولي، وأن يدها ممدودة بالسلام لكل من أراد السلام الحقيقي والاستقرار والأمن، وأنها ترفض أن تكون أراضيها نقطة انطلاق لأي عدوان ضد أي دولة سواء كانت إيران أو غيرها، وسواء كان هذا العدوان سياسيا أو اقتصاديا أو عسكريا.
ويقول خبير العلاقات الدولية: "وبالتالي كل ما قبل عن تشكيل ناتو عربي أو حلف عربي مضاد لإيران لم يكن أبدا يعبر عن الدول العربية"، مشددا على أن الدول العربية لم تكن تفضل أبدا الانجرار إلى الحلول العسكرية في مواجهة إيران لأن أي اعتداء على إيران سواء كان من أميركا أو إسرائيل ستدفع ثمنه الدول العربية.