هجوم مرتزقة تركيا والنصرة.. ماذا وراء مغامرة أنقرة الجديدة في سوريا؟

هحوم مباغت شنته مرتزقة تركيا وجبهة النصرة الإرهابية على مناطق لحكومة دمشق في ريف حلب الغربي، يفتح الباب لتساؤلات عديدة، تغيرات محتملة لقواعد اللعبة فوق الرقعة السورية.

ما حدث أن مرتزقة تركيا وجبهة النصرة الإرهابية (هيئة تحرير الشام) شنت هجوماً عنيفاً ومفاجئاً على مناطق سيطرة حكومة دمشق في ريفي حلب وإدلب، ليحدث تغييراً في خريطة توزيع السيطرة بالشمال الغربي هو الأول منذ مارس/آذار 2020، ويغير خطوط التماس التي أقرها اتفاق بين حليف دمشق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان.
وأعلنت مرتزقة تركيا والنصرة السيطرة على عدة قرى في ريف حلف الغربي، ما أكده بيان للمرصد السوري لحقوق الإنسان، وقطعت طريق دمشق - حلب الدولي "إم 5" عند بلدة الزربة في ريف حلب، فضلاً عن سيطرتها على عقدة الطريقين الدوليين "إم 4" و"إم 5" عند مدينة سراقب، ليتوقف هذا الطريق عن العمل لأول مرة منذ سنوات.
ووسط حديث عن اشتباكات عسكرية عنيفة أوقعت عشرات القتلى وتمدد المرتزقة نحو مدينة حلب العاصمة، أعلنت حكومة دمشق بعد قرابة يومين "امتصاص الهجوم" بالتعاون مع سلاح الجوي الروسي، وأنها بدأت هجوماً معاكساً كلف تلك الفصائل خسائر هائلة، وسط مخاوف متبادلة بين أهالي تلك المناطق من تداعيات الهجمات والهجمات المضادة لها.
تساؤلات عديدة
وجاءت تلك الأحداث لتشير إلى تحولات محتملة في المشهد السياسي السوري، الذي اتسم بحالة ثبات إلى حد كبير على مدار السنوات الأخيرة، فضلاً عن أن الهجوم الشرس وبطبيعة الأطراف المتداخلة فيه يدفع إلى تعدد التفسيرات بشأنه، وما يمكن أن يؤول إليه في نهاية المطاف.
يقول طارق حمو الباحث السياسي بالمركز الكردي للدراسات، في تعليق لوكالة فرات للأنباء (ANF)، على الهحوم إنه جاء قوياً للغاية، معتبراً أن الأمر له علاقة بما يجري في المنطقة من ضعف للمحور الإيراني والضربات التي طالت حزب الله سواء في لبنان أو في سوريا، وكذلك مليشيات إيران وأذرعها من قبل إسرائيل.
ويضيف حمو أن الأمر يرتبط كذلك بعلاقة أنقرة بدمشق، إذ أن النظام السوري رفض المصالحة مع الجانب التركي، وعندما كان هناك حديث عن لقاء مرتقب بين أردوغان وبشار الأسد، طلب الأخير أن ينسحب الأتراك من الأراضي السورية التي احتلوها، ومن ثم ربما يأتي تحريك تلك المليشيات كمحاولة تركية لتركيع النظام السوري.
واتساقاً مع حديث "حمو"، كان وزير الخارجية التركي صرح أن تطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا "ليس من أولويات إيران"، كما أن التطبيع بالنسبة لروسيا ليس على جدول أعمالها كذلك، مضيفاً أنه "يوجد بالفعل وقف لإطلاق النار في المنطقة ولم يظهر أي تهديد خطير على موسكو"، وهي تصريحات تعني الكثير.
وبينما وصف الكرملين، اليوم الجمعة، الهجوم بانتهاك للسيادة السورية، لا يزال الجانب التركي صامتاً، إلا أن بعض التصريحات خرجت على لسان مصادر تركية لوكالات أنباء عالمية ترى أن الهجوم جاء لما قالوا إنه رد للعدوان، موضحين أن تلك الفصائل تحركت لاسترداد مناطق سيطرت عليها قوات حكومة دمشق قبل سنوات كانت من الأساس تقع في نطاق منطقة خفض التصعيد المتفق عليها بين أردوغان وبوتين.
لكن حمو يرى أن الحديث عن "رد العدوان" أمر من صنع الماكينة الإعلامية التركية – الإخوانية التي تحاول جعل هجومها ضمن نطاق الدفاع عن النفس، ولهذا أسمت عمليتها "رد العدوان"، معتبراً أن هذا نوع من الكذب، ودعاية لأنه من الواضح أن الهجوم واسع ويستهدف مدينة حلب بالأساس، وتم بأعداد هائلة من الجهاديين، مستغرباً عدم تدخل الروس بالشكل الكافي، فالجهاديين يتقدمون بشكل لافت وبإسناد تركي، وفقاً له.
ولا يُستبعد أن تكون حلب ككل مستهدفة من الهجوم الذي يمكن أن يتطور ليكون عملية عسكرية موسعة، اتساقاً مع الهجمات التي ينفذها الاحتلال التركي وشركاؤه من المرتزقة دون توقف ضد قوات سوريا الديمقراطية في مناطق شمال وشرق سوريا التي أوقعت ضحايا كثراً من الأبرياء وطالت بنى تحتية ومنشآت حيوية.
جبهة جديدة مضادة لروسيا
ويمكن أن يفهم من تصريحات وزير الخارجية التركي السابقة بأن موسكو لا يعنيها تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق ولم يطالها أي تهديد، أن أنقرة تضغط على موسكو بهدف إجراء محادثات أوسع نطاقاً، خصوصاً في ظل تمسك بشار الأسد بخروج القوات التركية من الأراضي السورية كشرط لعودة العلاقات.

هنا يقول الدكتور فايز حوالة الخبير في الشأن الروسي، لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن أردوغان يأكل على كل الموائد، وما قام به نوع من الابتزاز المعروف عن التنظيم الدولي للإخوان، لتحقيق مصالح تخص تركيا، وفي نفس الوقت لتحقيق بعض الأهداف لكل من بريطانيا في المقام الأول وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية.

وأوضح أن ما يجري في سوريا مرتبط بالوضع في أوكرانيا، فالهدف من الهجوم الذي تم بضغوط اقتصادية أمريكية فتح جبهة جديدة أمام روسيا في إطار المواجهة على الأراضي الأوكرانية والخسائر التي يتلقاها المعسكر المضاد لموسكو، ويأتي هذا اتساقاً مع خطوة أنقرة من قبل بإقامة مصنع للطائرات المسيرة لدعم كييف إلى جانب غيرها من الأسلحة التركية.

ويقول الخبير في الشأن الروسي كذلك إن من بين أسباب خطوة الهجوم المفاجئة أن تركيا تريد أن تقوم روسيا ببناء محطة كهروذرية ثانية لها، في ظل حاجتها إلى الطاقة الكهربائية لتحريك الاقتصاد، وبالتالي أردوغان يلعب بالإرهاب كورقة ضغط على موسكو لتقوم له بذلك.

ويذكر حوالة أن روسيا كانت قادرة على إنهاء هذه المجموعات الإرهابية لولا أن أردوغان هو من تعهد في اجتماعات  مع بوتين أن يتراجع 10 كيلومترات خلف طريق "إم 4"، أما عن رد الجانب الروسي، فيؤكد أن موسكو ترد الآن بالفعل حيث تتحرك طائراتها وأسلحتها لملاحقة هذه المجموعات الإرهابية.

ماذا بعد؟

يذكر أن الفرقة الرابعة والفرقة 25 مهام خاصة والفرقة 11 التابعة لحكومة دمشق دفعت تعزيزات عسكرية كبيرة إلى ريفي حلب وإدلب، تشمل أسلحة ثقيلة ومدرعات ومئات الجنود لصد تقدم مرتزقة تركيا والنصرة، باتجاه ضواحي مدينة حلب.

هنا يقول الخبير العسكري السوري علي مقصود، في تصريح لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن اتفاق خفض التصعيد المبرم في سوتشي بين تركيا وروسيا سقط وانتهى، فهذه "المجموعات الإرهابية إما أنها تمردت على النظام التركي وتحركات من تلقاء نفسها"، أو أن ذلك كان بترتيب من أنقرة، وفي الحالتين فإن الخطوة نقض للاتفاق.

وأضاف أنه بناء على ذلك فإن دمشق دفعت بتعزيزات عسكرية كبيرة بالتعاون مع روسيا، ليس لصد الهجوم أو استعادة المناطق التي دخلها المرتزقة فقط، وإنما لإعادتهم إلى أماكن أبعد من ذلك، وأبعد حتى من الخطوط التي رسمتها اتفاقية خفض التصعيد التي سقطت وانتهت، على حد قوله.

وقد صمدت اتفاقية خفض التصعيد إلى حد ما لنحو 4 سنوات، حيث كان بوتين وأردوغان اتفقا على وقف إطلاق نار تصاحبه إجراءت لضمان فعاليته، منها إنشاء ممر أمني بطول 6 كيلومترات شمال طريق "إم 4" السريع و6 كليومترات أخرى جنوبه.

ولضمان تأمين هذا الطريق الهام الذي يحمل أهمية اقتصادية كبيرة ويربط بين حلب واللاذقية تم الاتفاق على تشكيل دوريات مراقبة من روسيا وتركيا لضمان الالتزام به والذي نفذ في 6 مارس/آذار 2020، وحتى لو تعرض لانتهاكات من وقت لآخر، إلا أن هجوم مساء الأربعاء الأعنف على الإطلاق.