لم يرضخ الشعب العفريني أمام آلة الحرب والقمع التركي الذي دمر وهدم كل شيء، بل ظل الأمل ينبض في قلوبهم كزهرة برية في قلب الصحراء بأمل العودة، مقاومة العفرينيين لم تكن مجرد رد فعل بل كانت مسيرة حياة، ثابتة كـ جبل هاوار، راسخة كأشجار الزيتون التي تزين أرضهم الطاهرة.
إرادة شعب لن تنكسر في وجه الاحتلال التركي
في مشهد يروي بطولات الصمود والمقاومة، لم تنكسر إرادة أهل عفرين أمام القصف المدمر والتهجير القسري الذي مارسه الاحتلال التركي ومرتزقته. بل استمروا في مقاومة الاحتلال بكل السبل المتاحة، مدافعين عن أرضهم التي رووها بدماء شهدائهم، ليظل اسم عفرين حياً في وجدان كل من يحمل راية النضال ضد العدوان التركي.
وفي حديث خاص لوكالتنا، أكدت المواطنة شاذية إبراهيم، أم الشهيدين علي وبيرهات، أن جيش الاحتلال التركي ومرتزقته شنوا في 20 كانون الثاني 2018 هجوماً عسكرياً ضارياً، استخدموا فيه أكثر من 72 طائرة حربية كانت تحلق في سماء عفرين، مستهدفين القرى والنواحي. ومع ذلك، لم يكن في حسبان الاحتلال صمود الشعب العفريني، الذي وقف في وجه هذه الهجمات بكل بسالة. وأشارت شاذية إلى أن الأهالي تضافروا مع المقاتلين في مواجهة العدوان، حيث كان البعض يقدم الطعام والآخر يحمل السلاح، جميعهم يدافعون عن أرضهم ومكتسباتهم التي تحققت بفضل دماء الشهداء.
وذكرت شاذية في حديثها العديد من قصص المقاومة البطولية التي سطّرها أهل عفرين في ذلك الوقت. فقد جاءت إحدى الأمهات التي فقدت اثنين من أبنائها في المعارك، وطلبت الذهاب إلى الجبهة الأمامية في ناحية راجو، رغم أنها كانت المنطقة الأكثر خطراً. وعندما استفسرنا عن سبب رغبتها في التوجه إلى هناك، قالت بكل إصرار: "أريد أن ألتقي بالمقاتلين هناك، إن طلبوا مني الماء سأحضر لهم، وإن طلبوا الطعام سأحضره لهم، فأنا أريد أن أرفع معنوياتهم وأؤكد لهم أن هؤلاء أبناء عفرين يجب أن يدافعوا عن أرضهم بكل ما أوتوا من قوة."
"المقاومة لم تكن مجرد سلاح، بل كانت موقفًا، كانت نغمة عفرينية لكل من حاول النيل من أرضنا"
وأضافت شاذية: "هذه القصص كثيرة ولا تنتهي، فالشعب العفريني كان يتردد دائماً في جملته الشهيرة: 'عفرين حرة، وأرضنا لا تغتصب'، ورغم كل ما تعرضنا له، كانت العزيمة والإصرار هو سلاحنا. لم يكن في قلوبنا سوى أمل العودة، ولم تكن المقاومة مجرد سلاح، بل كانت موقفاً، كانت رسالة لكل من حاول النيل من أرضنا."
وتابعت شاذية أن العديد من المقاتلين لم يتمكنوا من رؤية أطفالهم الذين ولدوا حديثاً. وعندما كانوا يتصلون بزوجاتهم، كانوا يطلبون سماع بكاء أطفالهم، وهم يدركون تماماً أنهم لن يتمكنوا من رؤيتهم مجدداً، لأن الشهادة كانت قد اختارتهم. أما زوجاتهم، فقد كنّ يطلبن منهم، بكل إصرار، أن يحافظوا على أنفسهم ويحموا رفاقهم على جبهات القتال. ولم يطلبن منهم العودة إلى منازلهم، بل كان طلبهن الوحيد هو المضي قدماً في الحرب ضد الاحتلال التركي، من أجل حماية الأرض والشعب".
"الشعب العفريني مستمر في المقاومة رغم التحديات"
وأكدت شاذية إبراهيم أن أبطال عفرين وأهاليها، من صغارهم إلى كبارهم، خاضوا مقاومة تاريخية في مواجهة هجمات جيش الاحتلال التركي التي استمرت لمدة 58 يوماً. وقالت في حديثها: "لقد قدم شعب عفرين صموداً استثنائياً في الجبهات، ورغم كل الصعاب، كان قرار الخروج من عفرين من أصعب القرارات وأكثرها مرارة. لقد تركنا أرضنا، وكأننا نطلب الموت".
وقالت شاذية: "لكن القرار كان مشتركاً مع الإدارة الذاتية، وقررنا التوجه إلى مناطق الشهباء، وهي منطقة منكوبة وكانت بنيتها التحتية شبه مدمرة، وحتى أصوات العصافير لم تكن مسموعة. ومع ذلك، كان شعبنا مؤمناً بشدة أمل العودة إلى عفرين".
وأشارت شاذية إلى أن الشهباء، رغم الصعوبات والمعاناة، تحولت بفضل إرادة شعبها من منطقة منكوبة إلى منطقة خضراء تزينها الأشجار. ورغم الحصار وهجمات الاحتلال التركي شبه اليومية، وخاصة على بلدة تل رفعت التي كانت هدفاً دائماً للعدوان التركي ومرتزقته، فإن الشعب العفريني ظل صامداً، وأضافت: "كان الأهالي ينامون على صوت القصف ويستيقظون عليه، ورغم المجازر الوحشية التي ارتكبها الاحتلال بحق المدنيين، استمروا في العيش هناك بكل عزيمة وإصرار، وخوض مقاومة ضد الاحتلال التركي."
ونوهت شاذية إلى أن الشعب العفريني، الذي ارتبط بفكر القائد عبدالله أوجلان وتبنى نهج المقاومة والحرب الشعبية الثورية، لا يمكن لأي قوة أن تكسر إرادته. وذكرت أن الآلاف من العفرينيين لقد خرجوا في مظاهرات مستمرة، مطالبين بالعودة إلى عفرين، لأن إرادة الشعب العفريني أقوى من كل المحن.
وأضافت شاذية بعد كل الصعوبات التي واجهها أهالي عفرين في مناطق الشهباء، الذين قدموا تضحيات عظيمة، وأثمنها أرواح الشهداء، الذين قدموا دماءهم لتبقى لنا هناك مزاراً للشهداء في قريتي احرص وفافين. وكان قرار الخروج من الشهباء أصعب من الخروج من مدينة عفرين نفسها، ففي عفرين عندما خرجنا، خرجنا برفقة الرفاق وبجانب قواتنا، ولكن في الشهباء كانت الأمور مختلفة. لم نكن ندرك ما حدث، وكيف خرج المرتزقة بيننا، ليُرتكبوا المجازر بحق الأهالي، حيث قتلوا الرجال أمام أعين النساء والأطفال. وارتُكبوا المجازر بحق المدنيين، منهم من قُتل، ومنهم من تم خطفهم، ومنهم من تعرض للظلم والإهانة والاحتقار. كان من الصعب جداً أن يُهجّر العفريني مرتين، وكان من الظلم أن يتعرض للإبادة الجماعية.
وفي ختام حديثها، أكدت شاذية إبراهيم على أهمية الصمود والمقاومة، موجهة رسالة قوية بأن دماء الأجداد التي سالت على هذه الأرض تظل منبعاً لا ينضب من الأمل والعزيمة. وأضافت أن العفرينيين يجب أن يستمروا في مقاومة قوى الاحتلال، وهم مؤمنون بأن النصر آتٍ لا محالة، وأن عفرين ستظل عصية على الإرهاب وستتحرر بعزم أبنائها.
كما دعت شاذية جميع الكرد في مختلف أنحاء العالم وفي جميع أجزاء كردستان الأربعة إلى التوحد والتكاتف، ليكونوا يداً واحدة في مسعى تحرير الأراضي المحتلة من عفرين إلى سريه كانية وكري سبي، مؤكدةً أن الحرية قادمة لا محالة.