في مقال له بعنوان "الأكراد ولعبة تقاطع المصالح" أكد الكاتب المصري فتحي محمود، صاحب كتاب العلاقات العربية الكردية، إن مفهوم الأمة الديمقراطية للقائد عبدالله أوجلان يتجاوز الانفصالية، متطرقًا إلى الجهود الدولية لرفع اسم حزب العمال الكردستاني من قائمة الإرهاب.
وقال الكاتب المصري المخضرم في مقاله في العدد الجديد من صحيفة الأهرام، إن الكرد كانوا دوما ضحية للعبة تقاطع المصالح الإقليمية الدولية، وأنه رغم وجود تعاطف شعبى كبير للقضية الكردية من معظم دول العالم، يظهر دائما فى لجان الدعم والمساندة التى تشارك فيها شخصيات عالمية متنوعة، ما زال التخوف قائما من لعبة تقاطع المصالح.
وفيما يلي نص المقال:
على مدى ست سنوات حقق الأكراد عبر قوات سوريا الديمقراطية «قسد» بدعم امريكى انتصارات كبيرة ضد تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» الذى سيطر في عام 2014 على مناطق شاسعة من العراق وسوريا، ولعب دورا مهما فى تتبع زعيم التنظيم أبو بكر البغدادى ومساعدة القوات الامريكية على استهدافه حسب تقرير نشرته «نيويورك تايمز» الأمريكية وقتها، إلى جانب احتجاز عديد من مقاتلى التنظيم وأسرهم حتى الآن، وإعادة آلاف النساء والفتيات الإيزيديات اللواتى اختطفهن التنظيم من منازلهم في سنجار بشمال العراق وأقدم على استعبادهن واغتصابهن.
تم ذلك رغم الظروف الصعبة التى مر بها الأكراد فى شمال سوريا وخاصة التوغلات التركية فى مناطقهم والقصف والتدمير وعمليات التغيير الديموجرافى، وبدأ الأكراد فى التخوف من أن يلقون جزاء سنمار، ويستمرون ضحية للعبة تقاطع المصالح الإقليمية والدولية التى لطالما حرمتهم تاريخيا من حقوقهم، رغم أنهم حققوا نجاحات سياسية واقتصادية واجتماعية ايضا فى مناطق الإدارة الذاتية فى شمال وشرق سوريا وغيرها من المناطق التى استطاعوا إداراتها وفقا لمفهوم الأمة الديمقراطية الذى طرحه عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستانى الذى يعد أكبر حركة تحرر كردية، وتجاوز به فكرة الدولة المستقلة أو المطالب الانفصالية.
وقد تزامن هذه المخاوف الكردية مع إطلاق 29 شخصية دولية معروفة، من بينها سياسيون وكتّاب وفلاسفة ونشطاء سلام وبرلمانيون ومحامون وفنانون، منهم الروائية الحائزة على جائزة نوبل إلفريدي يلينيك، والفيلسوف سلافوي جيجك، وخبير القانون الدولي البروفيسور د. نورمان بايش، مبادرة العدالة الدولية للكرد؛ لمطالبة مجلس الاتحاد الأوروبي بإزالة اسم حزب العمال الكردستاني من قائمة الإرهاب في الاتحاد الأوروبي، على أساس أن الحل السلمي والسياسي للقضية الكردية هو الشرط الأول لإرساء الديمقراطية والاستقرار في الشرق الأوسط عبر الحوار والتفاوض بمشاركة جميع الأطراف، خاصة بعد الدور الذى لعبه الحزب في محاربة داعش، وإنقاذ الآلاف من الإيزيديين الذي علقوا في جبل شنكال، مما أدى إلى استشهاد عدد كبير من مقاتليه.
وكانت تركيا العضو في الناتو، قد طلبت إدراج حزب العمال الكردستاني في قائمة الإرهاب التابعة للاتحاد الأوروبي عام 2002، ورغم ذلك، قضت محكمة العدل الأوروبية في لوكسمبورج عام 2018 بأن حزب العمال الكردستاني قد تُرك ظلماً على قائمة الإرهاب في الاتحاد الأوروبي بين (2014ــ 2017)، وقضت أيضاً بأن قرار الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بهذا الشأن لم يستند إلى بيانات موضوعية وحاسمة، وفى الرابع من شهر نوفمبر الحالى دعا نواب من مجموعة ( APPG) البريطانية ــ التى تضم نواب من عدة أحزاب ــ إلى رفع الحظر المفروض على حزب العمال الكردستاني باعتباره يمثل الشعب الكردى، وخاصة أن دول الشرق الأوسط لا تصنف الحزب ضمن التنظيمات الإرهابية.
والحقيقة أن الأكراد كانوا دوما ضحية للعبة تقاطع المصالح الإقليمية الدولية، فبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى بهزيمة الدولة العثمانية، جرت مفاوضات دولية فى فرنسا لإعادة تقسيم أراضى الدولة المهزومة، وانتهت المفاوضات عام 1920 بمعاهدة سيفر، والتى وضعت اللبنة الأولى لتشكيل الشرق الأوسط الجديد وفقا لمصالح الدول الاستعمارية وخاصة انجلترا وفرنسا اللتين اقتسمتا النفوذ على دول المنطقة بعد ذلك عبر اتفاقية سايكس بيكو، واحتلت القضية الكردية مكانا بارزا في معاهدة سيفر، بهدف إنشاء دولة كردية مستقلة في كردستان تركيا، يمكن أن ينضم إليها كرد كردستان العراق اذا أرادوا ذلك، لكن مصطفى كمال أتاتورك الذى عزز موقفه بعد ذلك وسيطر على مقاليد الحكم فى تركيا لم يعترف بهذه المعاهدة، وتغير موقف الدول الأوروبية نتيجة خوفها من اتجاه تركيا الجديدة لإقامة علاقات وطيدة مع الاتحاد السوفيتي.
وادى ذلك إلى اندلاع ثورات وحركات مقاومة كردية كثيرة على رأسها حزب العمال، ورغم ذلك فقد أوقف اوجلان الحرب أكثر من 9 مرات لإيجاد حل ديمقراطي للقضية الكردية ، إحداها في عام 2013 بإعلان وقف لإطلاق النار وحث الحزب على الانسحاب من المناطق التركية، في إعلان وصفه بالتاريخي، كما أعلن أوجلان عام 2015 في بيان نقله النائب الكردي سري ثريا أندرو أنه يسعى من أجل صدور قرار تاريخي للتوصل إلى حل ديمقراطي، وإنهاء الصراع ودعا أنصاره إلى نزع السلاح واستبدال المعارك بالتفاوض السياسي لإنهاء الأزمة، وكذلك طرح عدة مبادرات مماثلة أخرى، كانت تنهار نتيجة التعنت التركى وتضارب المصالح فى المناطق الكردية بسوريا والعراق، والاهتمام الغربى وخاصة الأمريكى بالثروات النفطية والطبيعية فى المناطق الكردية.
ويشعر الأكراد الآن أنهم على مفترق طرق، فقد قدموا كثير من التضحيات فى مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية « داعش» وإجباره على الانسحاب من معظم المناطق التى احتلها فى سوريا والعراق، ونجحوا فى الإدارة الذاتية لهذه المناطق، التى جرت وفقا لمفهوم الأمة الديمقراطية الذى طرحه أوجلان، وعدم اعتماد مفهوم الانفصال عن الدولة كخيار وحيد لا بديل عنه للحل يمكن تصوره واعتماده، وكذلك عدم رفض فكرة الفيدرالية أو الكونفدرالية كخيارات يمكن لها أن تطرح على الساحة في رحلة البحث عن الحل الديمقراطي كمقدمة ومدخل صحيح للنفاذ إلى الحل الجذرى، كون الفيدرالية تفسح المجال أمام إدارة المجتمع لذاته ديمقراطيا، ويتبنى مشروع الفيدراليات والكونفدراليات الديمقراطية للمجتمعات، ويقدمها إلى الأمام كحل جذرى للقضايا جميعاً ، والتأكيد على مبدأ اعتراف الدولة بإرادة الكرد كأمة يحق لأبنائها إدارة أنفسهم بأنفسهم.
ورغم وجود تعاطف شعبى كبير للقضية الكردية من معظم دول العالم، يظهر دائما فى لجان الدعم والمساندة التى تشارك فيها شخصيات عالمية متنوعة، مازال التخوف قائما من لعبة تقاطع المصالح.