سوريا بين التفاعل العربي والاحتلال التركي

كتب الباحث السياسي أحمد شيخو مقالاً لوكالة فرات للأنباء عن الانفتاح العربي على سوريا وأهميته، مشيراً للاحتلال التركي كأكبر تحدٍ أمامه، ومبيناً في الوقت نفسه مبادرة الحل السياسي والديمقراطي للإدارة الذاتية في نظام لامركزي ديمقراطي لسوريا.

بعد مضيء أكثر من عقد على الأزمة أو القضية السورية، وحالة الحراك الشعبي المحق والمطالب بالحرية والديمقراطية، والذي تحول نتيجة سوء إدارة النظام السوري أو حكومة دمشق وفشلها، ورفضها تقديم أي تنازل أو مشاركة أو تفاهم لمطالب الشعب السوري، بالإضافة إلى تغول الدول الإقليمية صاحبة مشاريع التوسع والهيمنة وأدواتهم المختلفة وتحريفهم المشهد السوري الوطني وتوظيفهم عدد من القوى السورية سواءً في النظام أو المعارضة ودعمهم  حتى للقوى الإرهابية لتمرير مشاريعها على حساب أهداف الثورة السورية وتماسك المجتمع ووحدة وسيادة وسلامة سوريا وتكاملها مع محيطها العربي والإقليمي، كما فعلتها تركيا وإيران.

أخطر ما يهدد وحدة سوريا، هو الاحتلال التركي.

وعليه، يتواجد الآن ثلاث مناطق نفوذ فعلي، وهي منطقة النظام السوري مع الإيرانيين والروس ومنطقة الاحتلال التركي ومرتزقتها وإرهابها، ومناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا مع التحالف الدولي لمحاربة داعش. ولعل بنظرة بسيطة على منطقة الشمال والمحتلة من قبل تركيا ورصد ما جرى ويجري فيه من تغيير ديموغرافي وتهجير السكان الأصليين وبناء المستوطنات وفرض العملة واللغة والتعليم التركي وبناء فروع المؤسسات التركية، علاوة على تواجد قادة داعش فيها بعد هزيمتهم كدولة على يد قوات سوريا الديمقراطية والتحالف الدولي؛ نجد أن أكبر تحدٍ أمام الأزمة السورية وحلها وأخطر ما يهدد وحدة سوريا وسلامتها هو الاحتلال التركي، الذي تمدد في سوريا وفق مسار الصفات والتواطؤ "مسار آستانة" والقبول أو الصمت الأمريكي، كما حصل في جرابلس والباب وعفرين وكري سبي (رأس العين) وتل أبيض(كري سبي).

فشل آستانة وجنيف.

تدخلت روسيا عام ٢٠١٥ لجانب النظام السوري، وعندها حصل التغير في موازين القوى على الأرض لصالح دمشق، وفي عام ٢٠١٦ حصلت أول صفقة بين الثلاثي (روسيا، إيران وتركيا) حول شرق حلب مقابل جرابلس وتتالت بعدها الصفقات وإنشاء مسار آستانة وسوتشي، ولا يخفى على أحد، كان هناك مسار جنيف منذ عام ٢٠١٢ لكنه فشل أيضاً وظل معلقاً بعد عدة جولات، لأسباب عديدة منها إقصاء بعض الأطراف السورية بناء على رغبة بعض الدول، وكان الرداء الأممي الذي حاول الجميع  التشدق به وتفصيله هو القرار الأممي ٢٢٥٤ الخاص بسوريا وخريطة الحل الدولية، لكن دون جدوى.

قسد هزمت داعش وتركيا تهاجم انتقاماً لداعش.

بالمقابل ظل الاهتمام الأمريكي أو الغربي بشكل عام منصب على محاربة داعش مع وحدات حماية الشعب والمرأة وثم مع قوات سوريا الديمقراطية، بعد أن فشلت كل خطط التحالف الدولي للاعتماد على المجموعات التي كانت ترشحهم تركيا والأردن لمحاربة داعش والقاعدة، فحققت قوات سوريا الديمقراطية(قسد) هزيمة ما تم تسميته "دولة داعش" بكل جدارة بعد أن استشهد أكثر من (11) ألف من مقاتليها ومقاتلاتها وجرج أكثر من (22) ألفاً، وتم بناء الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، لإدارة المنطقة وتحقيق الاستقرار والأمن فيها، وهذا ما جعلت تركيا التي دعمت داعش والجماعات الإرهابية، تتدخل وتهاجم على هذه القوات والإدارة الذاتية انتقاماً لداعش وتحتل مدناً ومناطق في شمال سوريا.

مع استمرار الأزمة ورغبة الأطراف الدولية في إدارة الأزمة وليس حلها، تزايدت معاناة السوريين بشكل كبير وخاصة مع استمرار التوغل التركي والإيراني ومحاولتهم تشتيت النسيج السوري وتثبيت أقدامهم ومكتسباتهم وفق ما يقولونه بشكل كبير ولسد الطريق أمام أية قوى ديمقراطية ووطنية سورية أو أمام أي حل أو تسوية سياسية في سوريا.

التفاعل العربي مع سوريا والاحتلال التركي لشمال سوريا، يمثلان مسارين متناقضين.

بعد الحرب الأوكرانية وتداعياتها على الاستقرار في العالم والمنطقة ومحاولة روسيا من جهة والمجموعة الغربية بقيادة أمريكا من ناحية أخرى بناء اصطفافات وتكتلات جديدة في الشرق الأوسط، لقيام كل طرف بممارسة ضغوط على الأخر ، تم بروز تفاعل جديد بين روسيا وأمريكا في سوريا وقواعد الاشتباك التي كانت سابقاً ربما لم تعد كما كانت وتغيرت، وبعد الزلزال الذي حدث في سوريا  وتعليق العقوبات الامريكية والغربية المفروضة على سلطة دمشق لمدة ٦ أشهر، لاحظنا ظهور مسارين متنافسين وربما متوازيان في الشكل والمظهر لكنهما متقاطعان ومختلفان في الأهداف وكيفية الحل، إن كان لهم نية الحل أساساً وهما:

1-   مسار روسيا وتركيا، وثم تم ضم إيران لها، لعدم قبولها بأي تطورات وقرارات لا تكون موجودة فيها، فأصبح ثلاثي الصفقات آستانة مرة أخرى وبصيغة جديدة، وهنا يختلف الثلاثي في أمور عديدة، ولكنهم متفقون في الضغط على التحالف الدولي  في شرق الفرات، ومن الصحيح القول إن تركيا وإيران لا يرغبون في أي دور عربي متوازن في سوريا ولا يريدون لتجربة الإدارة الذاتية ومناطقها الاستقرار والأمن، لأنهم يشعرون أن الانفتاح العربي وتعزيز الإدارة الذاتية يمكنهم الالتقاء ولن يكون في صالح  تحكمهم وتفردهم بالقرار السوري في الجانبين المعارضة والنظام.

2-   مسار التفاعل العربي، أو ما يسميه البعض عودة سوريا للحض العربي بموافقة ضمنية من أمريكا والاتحاد الأوروبي ولكن لمسافات وغايات محددة وأن لا تكون مجانية لتعويم بشار الأسد ونظامه دون أي يكون هناك خطوات بالمقابل من دمشق تجاه التسوية السياسية والقرار الدولي ٢٢٥٤ وتجاه النفوذ الإيراني أولاً وإرسال حبوب الكبتاغون المخدرة للدول العربية.

وربما يكون المسار الثاني والسماح له بالتطور هو لإفشال المسار الأول وأي تشكيل جديد للمشهد السوري وفق رويته، أي رؤية ثلاثي الصفقات وعدم السماح لروسيا بأخذ سوريا كجزئية وورقة في سياساتها لإبقاء أردوغان على الحكم مع الانتخابات القادمة والصعبة على أردوغان، للاستفادة من مواقفه الرمادية في حرب أوكرانيا وكحصان طروادة في حلف الناتو.

 إخراج المحتل التركي يكون بالفعل المؤثر وبوحدة كافة السوريين.

وهنا نحن أمام معادلة إقليمية وداخلية لا بد من تفكيكها وفهمها في سوريا من الدول العربية ومن كل القوى السورية وجميع مكوناتها، فلو ذهبت حكومة دمشق مع تركيا وإيران وروسيا لتبلور مشهد جديد في شمال سوريا ومجاراة تركيا في تصوراتها وسياستها وعدائها ومحاربة المكون الكردي السوري وقوات سوريا الديمقراطية المكونة من كل مكونات الشعب السوري، وفق اتفاقية أضنة جديدة  تتجاوز السيادة السورية، سنرجع إلى المربع الأول في الأزمة السورية.  ربما تعطي تركيا إحدى المناطق كطعم للنظام ولكن الخطورة ستكون كبيرة وسيكون هناك شرعية للمحتل التركي وستقسم تركيا سوريا وستحاول أخذ ما تسميها مناطق الميثاق الملي أي كل شمالي سوريا، وعندها لا تفيد حكومة دمشق وإيران أي شيء وتكون عندها دمشق وقعت في الفخ الطوراني العثماني، فعليها الانتباه جيداً، ربما روسيا ستكون مستفيدة ولكن الحديث على أن يكون هناك تعهدات تركية تضمنها روسيا كشرط الانسحاب التركي من سوريا وفق رواية حكومة دمشق للذهاب مع التركي، لا يفيد بشيء، لأن إخراج المحتل التركي لن يكون على حساب سيادة ومكونات سوريا ولا يكون بالاستجداء والضمانات الروسية التي فشلت حتى الآن في فتح الطريق بين حلب واللاذقية (M4)، بل بالفعل المؤثر وبالوحدة بين كافة السوريين الرافضين للمحتل التركي وعلى رأسهم قوات تحرير عفرين وقوات سوريا الديمقراطية.

 الانفتاح العربي إيجابي وأمامه تحدي الاحتلال التركي والنفوذ الإيراني.

أما الانفتاح العربي مع  سوريا مع حكومة دمشق في هذا التوقيت، ومع تعليق العقوبات الغربية وإعلان الاتفاق السعودي الإيراني برعاية صينية وموافقة أمريكية ضمنية، يمكننا وصفه بالإيجابي وربما يساهم في تحقيق التوازن مع إيران وتركيا في سوريا والمنطقة، ولكن أمامه تحديات كبيرة نتيجة تدخلات تركيا وإيران، الذين لا يرغبون بتواجد عربي قوي ولعل التفاعل العربي جاء متأخراً ويفتقد في الوقت نفسه لإجماع عربي متين، ويفتقد إلى حد كبير لرؤية واضحة، ودقيقة، في التعامل مع الأزمة السورية وفي قراءة كامل المشهد السوري وتنوع مكوناتها القومية والدينية  وعدم الإصرار على لون قومي واحد وأمامهم الموقف من أكبر تحدٍ في الأزمة السورية أمام الحل، والذي يمثله الاحتلال التركي لـ(10%) من مساحة سوريا، ومعاناة المهجرين وجرح السوريين النازف مدة ١٢ سنة والبقاء على مسافة واحدة من كافة الأطراف السورية، والقدرة على جمع كافة الأطراف السورية.

الحل السياسي والديمقراطي لسوريا، في نظام لامركزي ديمقراطي.

 وهنا لابد من رؤية المبادرة الوطنية السورية والتي طرحتها الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا في هذه الأوقات لحل سلمي وديمقراطي للأزمة السورية يحفظ وحدة سوريا وسيادتها ويحقق توزيعاً عادلاً للثورات ويخرج الاحتلالات، ويبني نظام لامركزي ديمقراطي، وفق القرار الدولي ٢٢٥٤ يحقق الاستقرار والأمان لسوريا ولمحيطه من الدول العربية والمنطقة.

وعليه، يمكن للانفتاح العربي مع تجربة الإدارة الذاتية وتنوع مكوناتها السورية وإمكاناتها الفعلية الواقعية وخبرتها في محاربة الإرهاب والتماسك المجتمعي والتعايش المشترك، إضافة للتفاعل المطلوب مع كافة القوى السورية الوطنية والديمقراطية ومع الشرعية الدولية أن تقدم جديداً لسوريا تنقذها من العربدة الإقليمية وانتشار الإرهاب ومحاولات إحياء داعش من جديد والذي تم إنشاء مناطق حماية وأمان لقادته وعناصره في مناطق الاحتلال التركي.