عمرو الديب: تركيا ليس لديها مبادئ تتصل بالاسلام أو القضية الفلسطينية أو الحرية

قال د. عمرو الديب، مدير مركز خبراء "رياليست" الروسي، إن تركيا ليس لديها مبادئ تتصل بالإسلام أو بالقضية الفلسطينية أو بالحرية وما غيرها وإنها دولة براغماتية يمكنها التعاون مع أي تيار ما دام ذلك في سبيل مصالحها السياسية والاقتصادية.

أكد د. عمرو الديب مدير مركز خبراء "رياليست" الروسي و محاضر أول في معهد العلاقات الدولية والتاريخ العالمي جامعة لوباتشيفسكي الحكومية الروسية، في مقابلة خاصة مع وكالة فرات للأنباء ANF أن التودد التركي للدول العربية الكبرى وعلى رأسها مصر و الإمارات هو تقارب تكتيكي، وأن تركيا لن تتخلى عن أحلامها القومية التوسعية، وانما رأت أنه يمكن التهدئة لبعض الوقت. 

ولفت الديب إلى أن السبب الأهم في دخول تركيا بشكل واضح في شؤون بعض الدول العربية يرجع إلى عملية الأحداث الثورية، التي وقعت في العالم العربي، والتي أفرزت بروز الاسلام السياسي المتمثل في الإخوان المسلمين في كل من مصر، ليبيا وتونس بالإضافة لاستخدام العامل الجغرافي و قربه بالنسبة للأحداث في سوريا. 

وأكد أن الإدارة المصرية ومعها القيادة الإماراتية حملا لواء محاربة النفوذ التركي، ونجحا بالفعل في إجبار أنقرة على التخلي عن دعم الإعلام الإخواني بل والتخلي عن هذا الدعم أظهر لكل عضو إخواني.

وأشار إلى أن هذا أكد أن تركيا ليس لديها مبادئ تتصل بالإسلام أو بالقضية الفلسطينية أو بالحرية وما غيرها وإنما أظهر قيادة هذه الدولة بأنها دولة براغماتية يمكنها التعاون مع أي تيار ما دام ذلك في سبيل مصالحها السياسية والاقتصادية.. فإلى نص الحوار:-

** بعد مضي  أكثر من 18 عام على وجود حزب  العدالة والتنمية (AKP) في الحكم، وتودده في البداية لأوروبا وإبداء الرغبة في دخول الاتحاد الأوربي، ثم وبعد تمكنه من تعزيز نفوذه وإحجام الجيش التركي  زاد من خطابه الاسلامي تجاه الشرق الأوسط والدول العربية، وكما أبدى رغبته في البداية بحل القضية الكردية في تركيا وثم تخلي عن ما سمى الإنفتاح الديمقراطي وحل القضية الكردية بالذهاب إلى خيار عسكري عنيف مستمر حتى اليوم. هل تعتقد أن مسيرة حزبا العدالة والتنمية تقدم نموذجاً غير موفقاً من حالة الإسلام السياسي وكيف ترى مستقبله في الداخل التركي في ظل تراجع شعبيته وتدهور اقتصاده وسياساته غير المستقرة؟

حزب العدالة و التنمية من أهم أسباب استمراره حتى الآن هو قدرته على التغيير الداخلي وقدرته على تغيير شكل سياسته سواء داخل تركيا أو مع علاقاته مع الدول الأخرى. و مسألة أن مسيرة الحزب السياسية تقدم نموذج غير موفق لتيار الإسلام السياسي أرى أنها غير ذلك.

فلم يقدم الحزب نفسه بشكل فعلي (و نضع خط أحمر كبير تحت كلمة "فعلي") على أنه حزب إسلامي، بل هو فقط استخدم الحنين للإسلام من جانب الشعب التركي بعد الفترة الكمالية من أجل الحصول دائما على الأصوات الانتخابية، ونرى أيضاً أنه لم يرتكن فقط لاستخدام هذا الحنين بل بالفعل استطاع أن يقدم حلول عملية كثيرة للشعب التركي جعلته لفترة طويلا متقدماً للمشهد السياسي التركي.

بالنسبة لمسألة مستقبله داخلياً، فهذا الأمر مرتبط بمدى قدرته على الاستمرار في إقناع الناخبين وذلك بعيداً عن أرقام الاقتصاد و السياسة غير المستقرة، فما نراه نحن بالخارج لا يمكن أن يستوي مع نظرة الناخب التركي الذي يذهب لصناديق الاقتراع.

** علاقات أردوغان وحزب العدالة والتنمية بالعالم العربي وخصوصاً في السنوات العشرة الأخيرة امتازت بالقلق والتوتر وبالتدخل في شؤون البلدان العربية عبر استعمال أدواته من الإسلام السياسي وخاصة تنظيم الإخوان وتفرعاتها المختلفة.. هل ما زال أردوغان قادراً على الاستمرار في تدخله وما الأسباب التي جعلت تركيا تتدخل في البلدان العربية وهل ما زالت هذه الأسباب قائمة؟

السبب الأهم في دخول تركيا بشكل واضح في شئون بعض الدول العربية يرجع بالطبع إلى عملية الأحداث الثورية، التي وقعت في عالمنا العربي، وهذه الأحداث أفرزت بروز الاسلام السياسي المتمثل في الإخوان المسلمين في كل من مصر، ليبيا وتونس بالإضافة لاستخدام العامل الجغرافي و قربه بالنسبة للأحداث في سوريا. 

و هذا التدخل التركي بالطبع أثار خوف الإدارة المصرية الحقيقية وخوف القيادة في دولة الإمارات العربية المتحدة وقاما بحمل لواء محاربة هذا النفوذ التركي في المنطقة ويبدو أنهما في نهاية عام 2021 نجحا بشكل شبه واضح في تقليل هذا النفوذ.

وأهم مظاهر هذا النجاح هو إجبار أنقرة على التخلي عن دعم الإعلام الإخواني، الذي كان موجها إلى القاهرة وإبوظبي، والتخلي عن هذا الدعم أظهر لكل عضو إخواني إو لكل متأثر بالميديا التركية على مدار 15 عام بأن تركيا ليس لديها مبادئ تتصل بالإسلام أو بالقضية الفلسطينية أو بالحرية وما غيرها وإنما أظهر قيادة هذه الدولة بأنها دولة براغماتية يمكنها التعاون مع أي تيار ما دام ذلك في سبيل مصالحها السياسية والاقتصادية.

**هناك محاولات من أردوغان وحزبه أو السلطة التركية لإعطاء إنطباع بأنهم سوف يعقدون علاقات تامة مع الدول العربية المحورية ولكن مع جولتي المحادثات الاستكشافية لم يتحقق التطبيع الكامل للعلاقات.. هل تعتقد أن تركيا فعلا قررت تغيير سياساتها نحو البلدان العربية أم أنها ما زالت لديها نفس الاستراتيجية و نفس مشروع العثمانية الجديدة ولكن بتكتيكات وأساليب مختلفة؟ ما الأسباب الحقيقة وراء التودد التركي للدول العربية رغم ماصدر عنها في السابق من سلوكيات غير مقبولة تجاه الدول العربية وما أسباب الخلاف الحقيقية أمام تطبيع العلاقات بشكل تام وهل يمكن تطبيع العلاقات في هذه السنة؟

التودد التركي للدول العربية الكبرى وعلى رأسها مصر والإمارات هو تقارب تكتيكي وليس استراتيجي، فلن تتخلى تركيا عن أحلامها القومية التوسعية، بل هي في هذا التوقيت فقط رأت أنه يمكن التهدئة لبعض الوقت. وهذا الأمر لن يستمر لمن يفهم السياسة التركية. ولنا في العلاقات التركية-الروسية مثال.

** أكدت في لقاءك السابق مع أحد الصحف العربية أن تركيا ليست دولة إسلامية بل قومية استعملت الإسلام.. هل تعتقد أن عقيدة الدولة التركية الكمالية أو العلمانية هي السائدة حتى بوجود حزب العدالة والتنمية في الحكم وهل جميع حركات الإسلام السياسي هم أدوات حتى لوكانوا في الحكم مثل حزب العدالة والتنمية؟

إذا نظرنا إلى السياسة التركية في محيطها سنجدها تستخدم النزعة القومية واللغة التركية مع دول آسيا الوسطى والقوقاز، في حين نراها كانت تستخدم النزعة الإسلامية مع الدول العربية، أي أن تركيا تبيع المنتج الذي تحتاجه هذه الشعوب لكي تصل لأهدافها والمتمثل في إعادة تشكيل دولة طوران الكبرى.

وبالنظر إلى ذلك نرى بالفعل أن تركيا استخدمت هذه الجماعات وباعتها عند أول اتفاق مع مصر مثلا. 

** ماهو مستقبل الإخوان أو حركات الإسلام السياسي بالمجمل في المنطقة في ظل هزيمة الإخوان في أغلب بلدان شمال أفريقيا وآخرها المغرب وهل هذا سنعكس على مستقبل حزب العدالة والتنمية وأردوغان كونهم من أهم رعاة الإخوان والإسلام السياسي في المنطقة وماه الأسباب وراء هذه الهزائم لحركات الإسلام السياسي؟

الإخوان المسلمين لم يستخدموا الفرصة التاريخية التي اتيحت لهم في حكم المنطقة العربية ككل، وهذا الأمر ينم على أمرين: الغباء السياسي-التاريخي الناتج عن عدم وجود خبرة حقيقية، والأمر الثاني هو عدم وجود قرار نابع من داخلهم فهذه الجماعة أثبتت لنا أنها تابعة لدول أخرى تتحكم فيها وعلى رأسها تركيا، لذلك لم تنجح هذه الجماعة في الاستمرارية.

** في ظل الإنسحاب الأمريكي من أفغانستان وحالة القلق التي أصيبت الكثير من دول المنطقة من انتعاش الإسلام السياسي وعودته.. كيف يمكن أن يكون العمل بين دول المنطقة وهل يمكن للدولة الوطنية في الدول التي تمتاز بالتعدد والتنوع الإثني مثل سوريا والعراق وغيرها من استيعاب التنوع في داخلها وتمتين جبهتها الداخلية وإعطاء مساحة للخصوصيات حتى تكون دولة موحدة وقوية وقادرة على مواجهة التحديات المختلفة؟ هل من علاقة صحية بين دول المنطقة وشعوبها تستطيع ردع التدخلات الإقليمية والخارجية؟

الإسلام السياسي لن يعود في المستقبل القريب وإنما يمكن أن يعود نشاط الجماعات الإرهابية في المنطقة، بالنسبة إلى تساؤلكم حول قدرة الدول التي تمتلك تعدد إثني على استيعاب هذا التنوع، فإن الأمر هنا يعود ليس لقيادات هذه الدول (سوريا و العراق) وإنما يعود للمشرفين على سياسة هذه الدول (تركيا، إيران وروسيا) فالأمر يعود إليهم و ليس لقيادة هذه الدول.