هل تعوّض رئاسة بايدين الكرد عن أخطاء السنوات الترامبية؟

وسط ما يشبه الاجماع بين المراقبين حول انعكاسات إيجابية متوقعة على مجمل الأوضاع الكردية حال استلمبايدن السيد الرئاسة، يرصد البعض مساعي النظام التركي لمواكبة تلك التحولات التي تبنئ بخسارة حليف لطالما اتهم بدعم العدوان التركي المتواصل على كل ما هو كردي.

قد لا يزال من المبكر الجزم بخروج ترامب نهائيا من البيت الأبيض، لكن ارهاصات مغادرة النظام الدولي للحقبة الترامبية لم تعد خافية على أحد، فرئيس النظام التركي رجب أردوغان الذي لم يتوقف عن الزج بأنفه في كافة الصراعات على كامل رقعة المسرح العالمي خلال السنوات الأخيرة، يبدأ هذا الأسبوع بخطاب مغاير يتحدث عن "السلام" و"الدبلوماسية" لحل أزمات لم تدخر أنقرة جهدا لإشعالها مثل القضية القبرصية، فيما أعتبره مراقبون محاولة من النظام الذي اشتهر بالتقلبات "البهلوانية" في سياسته الخارجية، للتجاوب مع التحولات الراهنة، وخاصة في ظل تعهد بايدن بممارسة ضغوط كبيرة لتغيير قيادة النظام التركي أو على الأقل تغيير سياساته الاستفزازية والعدوانية في المحيط الإقليمي وديكتاتوريته المترسخة في الداخل على نحو متزايد.
وتناولت العديد من وسائل الاعلام ومراكز الأبحاث العالمية تأثير رئاسة بايدن على المسألة الكردية في جميع أجزاء كردستان الأربعة، وخاصة في روج آفا وشمال كردستان، وخاصة لما عرف عن بايدن من علاقات قوية مع عديد من الأطراف الكردية منذ حرب الخليج الأولى، وخلال توليه منصب نائب الرئيس بإدارة أوباما.
ويقول هوشيار أوزسوي، برلماني عن حزب الشعوب الديمقراطي، في مقابلة مع مجلة أحوال التركية المعارضة، تلخصت حول سؤال "هل رئاسة بايدن جيدة للكرد؟"، المناخ السياسي في تركيا متوتر، ولدينا اعتقالات واعتقالات كل أسبوع تقريبًا. وأن كل من ترامب وأردوغان يمثلان أعراضا للرأسمالية العالمية التي نعيشها الأن، وتشهد نوعا من التحول، لا يرتبط فقط بالأشخاص مثل أردوغان وترامب، ولكن ايضا على مستوى البنية والمؤسسات والعمليات وحركة التاريخ، مضيفا "في تركيا، إذا لم تتمكن المعارضة من تطوير نوع من البديل السياسي الأفضل لأردوغان وحلفائه، فقد يتجه المجتمع أكثر نحو اليمين الأكثر عدوانية، وهذا احتمال مؤكد. وبينما يبحث الناس عن مخرج ما. يعتمد العثور على هذه الطريقة على كيفية تعامل الفاعلين السياسيين مع هذا الوضع. هناك أزمة عميقة تتعمق يوما بعد يوم، وباعتبارنا المعارضة فإن مهمتنا ومسؤوليتنا هي تطوير برنامج ورؤية سياسية بديلة. إذا فشلنا في ذلك بصفتنا أولئك الذين يقفون على الجانب التقدمي من السياسة، فإن أولئك على اليمين سوف يتجمعون ويسودون."
ورغم اعتباره أن أكثر فترات دعم الولايات المتحدة للكرد خلال السنوات الأخيرة ارتبطت بوجود بايدن في السلطة، قال أوزسوي أن بايدن "سيحاول استعادة المؤسسات السياسية التي دمرها ترامب. وسيستغرق ذلك بعض الوقت.. سيكون مقيدًا بالديناميات في الكونجرس. علاوة على ذلك، لم يكن وعد بايدن إجراء تغييرات كبيرة ولم يقدم في الواقع الكثير مما يمكنك اعتباره بديلاً حقيقيًا، لكنه يريد استعادة "الأوضاع الطبيعية"، مضيفا "عندما يتعلق الأمر بسياسته الكردية، لا ينبغي للمرء أن يتوقع تحولًا جذريًا للغاية. نحن نعلم أن لديه علاقات جيدة مع كرد العراق والكرد الذين قاتلوا داعش في سوريا. وعلى الأرجح أنه سيحسن العلاقات مع الكرد في هذين البلدين. لكنه قد يستمر أيضًا في السياسة الأمريكية التقليدية لمساعدة تركيا، حليف الناتو، في تجريم وترهيب الشعب الكردي والحركة الكردية. هذه السياسة الأمريكية التقليدية للأسف جزء من "الحياة الطبيعية" التي يدعي بايدن استعادتها. نتمنى ونأمل أن يدفع الرئيس بايدن لاستئناف عملية السلام بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني والوصول إلى تسوية تفاوضية للصراع الكردي الذي طال أمده والذي قتل حتى الآن أكثر من 50 ألف شخص في تركيا."
وتحدث تقرير خاص لسكاي نيوز عربية "قلق ومخاوف بتركيا في انتظار خيارات بايدن الكردية"، إذ يشكل الملف الكردي واحداً من أكثر الأمور التي تثير خشية إردوغان تجاه سياسات بايدن وإدارته المتوقعة بشأن منطقة الشرق الاوسط.
وتوقع التقرير أنه عندما سيتولى بايدن رئاسة الولايات المتحدة، سيتعامل على الأرجح مع أطراف كردية خارج العراق، في كل من سوريا وتركيا، وهي أطراف تمس توجهات واستراتيجيات الرئيس أردوغان.
و"في الداخل التركي، سيتعامل بايدن مع حزب الشعوب الديمقراطي في تركيا، والذي يُعد ثاني أحزاب المعارضة التركية من حيث عدد أعضاء البرلمان. وبايدن الذي أثار مسألة الإطاحة بأردوغان من خلال دعم قوى المعارضة التركية، ربما يتجه إلى المساعدة في خلق توافق سياسي بين حزب الشعوب الديمقراطية وبين حزب الشعب الجمهوري. ويبدو أردوغان متأكدا من أن التلاقي بين الحزبين لن يحدث، إلا بضغوط ورعاية دولة مثل الولايات المتحدة، وما قد تقدمه من ضمانات لمستقبل تركيا، وهذا مصدر قلق كبير بالنسبة له. في سوريا، سيضغط بايدن على أردوغان في مستويين متوازيين. إذ سيزيد التعاون والاعتراف السياسي بالإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، التي يملك فيها الأكراد السوريين نفوذاً رئيسياً، وهو أمر قد يعني في نهاية المطاف حصول الأكراد السوريين على مساحة للحكم الذاتية في مناطقهم الحدودية مع تركيا. أما عسكرياً، فإن الإدارة الأميركية الجديدة ستزيد من دعمها لقوات سوريا الديمقراطية، لأنها تعتبرها شريكتها الرئيسية في محاربة الإرهاب. وهو ما سيمنع أية اندفاع تركي جديد، لمحاولة احتلال المزيد من الأراضي في شمال شرق سوريا. كما فعلت من قبل في مناطق عفرين ورأس العين، بضوء أخضر من إدارة الرئيس ترامب"، بحسب التقرير.
ويرى خبراء أن تعيين أفيكان علاء نائبا لرئيس حزب العدالة والتنمية في الفترة الحالية، يأتي ضمن خطة رئيس النظام التركي، رجب طيب أردوغان للدفع بتيار الحمائم في الحزب على حساب الصقور والمتشددين، خاصة بعد فوز جو بايدن في انتخابات الرئاسة الأميركية، سيما وأن علاء كان يتمتع بشعبية في بعض الأوساط الكردية.
وقال الكاتب التركي بوراك بيكديل، وهو باحث في منتدى الشرق الأوسط بالولايات المتحدة، في مقال نشرته صحيفة "إسرائيل هايوم" إن تجربة بايدن مع أردوغان في الماضي تعطي اشارات متضاربة حول سياسته كرئيس أمريكي تجاه تركيا. لكنه أكد أن بايدن كان دوما داعما للعديد من الاطراف التي تنظر إليها أنقرة بعدائية. و"كنائب للرئيس، قام بايدن بأربع زيارات رسمية إلى تركيا بين عامي 2011 و 2016. احتوت مباحثاته مع أردوغان على ملفات صعبة، مثل شمال سوريا ، والقتال ضد تنظيم (داعش) ، والدعم العسكري واللوجستي الأمريكي للمقاتلين الكرد. لكن أردوغان حصل على الضوء الأخضر المطلوب للعدوان العسكري في شمال سوريا من ترامب، وليس سلفه ، في تشرين الأول أكتوبر 2019".
ويتوقع المراقبون أن تزيد الولايات المتحدة من انخراطها في الشمال السوري أو على الأقل عرقلة خطط الانسحاب العسكري التي سبق أن اعلنها ترامب، إلى حين الوصول إلى تسوية سياسية تضمن كبح جماح العدوان التركي المستمر منذ سنوات، ووضع نهاية لمشروعه التوسعي الاحتلالي في المنطقة، الذي تمادى فيه رئيس النظام التركي بضوء أخضر من ترامب.