محمد شيخو: ذاكرة تاريخ الفن للكرد

توفي الفنان محمد شيخو قبل 34 عاماً، ولكن فنه لا يزال يتنامى ويزدهر داخل الثقافة الكردية، أثرى شيخو حياة وفن الشعب الكردي بصوته ونغماته وكلماته وأغانيه.

لسنوات عديدة، صنع الفنان محمد شيخو الكثير من الأعمال القيمة للفن والثقافة الكردية، وبالأخص في مجال الموسيقى، ولعبت أعمال محمد شيخو دوراً بالغ الأهمية في نضال حرية الشعب الكردي، وإلى اليوم، ما يزال يُستمع إلى الأعمال التي صنعها للموسيقى الكردية، بحب وإحساس عالٍ ومرهف، ولم تختف أعمال محمد شيخو في أُمسيات وأفراح الكرد أبداً، لأنه دائم الحضور بصوته وموسيقاه.

ولد الفنان محمد شيخو في العام 1948، في قرية خجوكي الواقعة جنوبي مدينة قامشلو، لعائلة مكونة من 6 اخوة و6 اخوات، وكان هو الأخ الأكبر، واسمه الحقيقي هو محمد صالح شيخو، وتلقى محمد شيخو تعليمه حتى الصف التاسع في مدارس مدينة قامشلو وبعدها غادر المدرسة، وإلى جانب اللغة الكردية، كان محمد شيخو كان يتحدث اللغة العربية بطلاقة.

تأثر بوالده الفنان

ونظراً لأن والد محمد شيخو كان أيضاً فناناً ومغنياً، لذلك فقد كان تأثيره على غناء وفن محمد شيخو واضحاً وجلياً، وفي الوقت الذي كان يتلقى فيه تعليمه في مدينة قامشلو، تعلم العزف على آلة البزق، وأثناء دراسته وقتها، التقى بالفنان الشهير آرام تيغران واستمع إلى أغانيه وغناها معه أيضاً، وكان يعتبر الفنان آرام تيغران جسراً بين الأغاني الكلاسيكية والأغاني الحديثة.

تعلم الموسيقى

حاله حال العديد من الفنانين الكرد، واجه الفنان محمد شيخو أيضاً الكثير من الصعوبات والعوائق وناضل من أجل تطوير فنه، وفي أواخر العام 1969 وبدايات العام 1970، سافر الفنان محمد شيخو إلى مدينة بيروت اللبنانية، لدراسة وتعلم والموسيقى، ودرس في اتحاد الفنانين العرب اللبنانيين لمدة عامين، وتحصل على دبلوم في العزف على الآلات الموسيقية والغناء، وبين أعوام 1969 و1972، واصل محمد شيخو أعماله من أجل تطوير الموسيقى الكردية في لبنان، وفي العام  1972 وأثناء تواجده في بيروت، أسس محمد شيخو علاقات مع الفرق الموسيقية الكردية هناك، حيث أن سعيد يوسف ومحمود عزيز ومحمد طيب طاهر ورمضان عمري ورفعت داري، كانوا قد آتوا إلى بيروت قبل محمد شيخو، وأسسوا هناك فرقة نوروز بقيادة سعيد يوسف، وكانت له علاقات مع فرقة نوروز، وبعدها أسس علاقات مع فرقة سركفتن التي أسسها كمال شمباز.

أصدر  البومه الموسيقي (Ay Gewrê) في دمشق

في العام 1973، ذهب محمد شيخو إلى جنوب كردستان وعمل هناك كمغن وكمقاتل، وأسس علاقات مع الفنانين الكرد الأخرين، وبعدها توجه نحو دمشق، حيث أصدر البومه الموسيقي (Ay Gewrê) هناك.

إذاعة وراديو بغداد

وحسب عدة مصادر، فإن الأغاني الأولى التي غناها محمد شيخو كانت تعود إلى يوسف برازي، وفي العام 1972 ذهب إلى إذاعة وراديو بغداد من أجل التسجيل الصوتي، وهناك تعرف على العديد من الشخصيات الكردية، مثل محمد عارف وتحسين طه وعيسى برواري وشمال طاهر، ومن الشعراء أيضاً، تعرف على صبري بوطاني وخلف زيباري، ومكث في بغداد لأكثر من شهر، وعندما عاد إلى سوريا، اشتهر أسمه وانتشر صوته أكثر، والبعض من أغانيه التي تم تسجيلها في بغداد هي: Carek min dîbû gewrek و Aman diloو Min bihîstî tu nexweşîوAzad e şîrîn.

حياة المنفى

مثل العديد من الفنانين والمثقفين الكرد، عاش محمد شيخو أيضاً حياته في المنفى، ولذلك موقفه الجلي من خلال أغانيه لم تتسامح معها ولم تتحملها السلطات، وبعد أن اشتهر اسم محمد شيخو من إذاعة وراديو بغداد وانتشر صوته وأصبح مسموعاً، بدأت الدولة السورية تتضايق منه، وقامت الدولة السورية بأخذه إلى دمشق ومن هناك إلى بيروت، وقالو له بأن لا يعود إلى سوريا مرة أخرى، ولكن محمد شيخو ومثل كل مناضل كردي، بناءً على قراره، مرة أخرى يعود إلى سوريا ويتوجه ثانية إلى بغداد، وفي العام 1973 يسجل بعض أغانيه الأخرى في بغداد، وفي ذللك الوقت أيضاً يزور تلفزيون Kerkûk Tv ويسجل كليبات لأغنيتين من أغانيه، وأحداها هي أغنية (Dil kuştiyê awirên çavên te).

أغنية " أعاني في السجن من الصباح وحتى المساء"

اعتقل محمد شيخو في العام 1974 من قبل أجهزة النظام في سوريا، بسبب مواقفه وكرديته وأغانيه، وتعرض للكثير من الضغوطات، وقامت أجهزة النظام السوري بتعذيبه كثيراً وسجنوه، ولكن بالرغم من كافة الضغوطات التي مارسها النظام، محمد شيخو لم يستسلم وأستمر بتطوير فنه، وفي ذلك الوقت كتب أغنيته "أعاني في السجن من الصباح وحتى المساء"، وفي أعوام 1973 و1974 كان في بعض الأحيان يغني أغنية لمرة واحدة فقط وكان يتم تسجيلها، وله الكثير من الأغاني هكذا، واعتقل محمد شيخو كثيراً وعانى من التعذيب والتهديد، ولكنه لم يستسلم أبداً في مواجهة النظام السوري وطور فنه من أجل شعبه.

النفي إلى مدينة غنبت كاوس

بقي محمد شيخو لفترة في مدينة كرج القريبة من طهران، وبعدها نفته الدولة الإيرانية من كرج إلى مدينة غنبت كاوس القريبة من بحر قزوين (بحر الخزر) والتي تبعد 9 ساعات عن مدينة طهران، وتقع في غرب إيران حيث أن وجود الكرد هناك قليل جداً، وككردي عراقي قام بتدريس الموسيقى، وفي العام 1977 قام بتدريس اللغة العربية، وتزوج هناك، وفي غنبت كاوس رُزق بابن أسماه بيكس، ولكنه لم يعش، وبعدها رُزق بابنته فلك، ولذلك اشتهر باسم ( أبي فلك ) وبعدها رُزق بابنيه إبراهيم وبروسك، وتعرف على مصطفى أتروسي في إيران، وكان مصطفى أتروسي مواطناً وشاعراً كردياً من جنوب كردستان وقد كان يقيم في مدينة أصفهان، وغنى محمد شيخو 22 من قصائده، ومنها اغنيتي " Gava Ez Mirim Gelî Zindiyan" و"Dayê Dayê"، وفي إيران تعرض لمحاولتي اغتيال، وفي العام 1981، ولأن الدولة الإيرانية ترغب أن يعزف محمد شيخو على البزق، ولذلك كانت عائلته دائماً ما تقوم بحراسته وتحاول منعه من الخروج كي لا يتم اغتياله، وفي إيران تعلم اللغة الفارسية وتحصل على دبلوم فيها.

سجل 14 البوما موسيقياً

سجل محمد شيخو 4 أشرطة موسيقية في إيران، ومن بين تلك الأشرطة، أشرطة "Nisrîn" و " Kewê xortê serê çiya" التي ألفها وكتبها الشاعر خلف زيباري، وبقي محمد شيخو في إيران حتى أواخر العام 1982، وفي الـ 26 من كانون الأول في العام 1982، يسافر رفقة زوجته وأبناءه إلى دمشق، وفي سوريا سجل شريط "Ez Bûm Firar" الموسيقي، وأغلبية أغانيها كانت من تأليف الشاعر يوسف برازي، وبين عامي 1983 و1986 كان يسجل شريطاً موسيقياً في كل عام، وبالمجمل لديه 14 شريطاً موسيقياً، ولكن في بعض المرات كان يغني أغانٍ فردية لمرة واحدة فقط، وإذا ما تم حساب تلك الأغاني أيضاً، عندها يمكن القول بأنه لديه ما يقارب الـ 20 شريطاً، وفي العام 1984 يعزف شقيقه بهاء معه على آلة الكمان، ويسجلون شريطاً، وذلك الشريط كان أغلبية أغانيه من تتألف من قصائد الشاعر ملا نايف حسو الملقب بـ سيداي تيريج والشاعر يوسف برازي، وشريطه هذا اشتهر باسم "Lê lê Ciwanê".

غنى على سجن آمد (ديار بكر) أيضاً

غنى محمد شيخو أغنية على سجن آمد (ديار بكر) من كتابة وتأليف الشاعر يوسف برازي وكانت القصيدة باسم " Eman û eman, ez bûm warê xeman"، وسُجل شريطه الغنائي المسمى بـ "Sebrê" في العام 1985، والذي كان تتألف أغلبية أغانيه من قصائد الشعراء سيداي تيريج ويوسف برازي وعمري لالي.

توفي على إثر مرض أصيب به

في مدينة قامشلو، لم يعد بإمكان محمد شيخو مقاومة المرض الذي أصابه في ظل الوضع الصعب والفقر الذي كان يمر به، وتم إسعافه إلى المستشفى ولكن لم يكن هناك أمل بأن يبقى على قيد الحياة، ولذلك يعودون به إلى منزله وفي الـ 9 من اذار في العام 1989 يغادر الفنان الشهير محمد شيخو هذا العالم ويفارق الحياة، وبحضور عشرات الآلاف من الكرد والكردستانيين يشيع إلى مثواه الأخير ويدفن في مقبرة الهلالية في مدينة قامشلو.