اعادة تشكيل السياسة اللبنانية/ 3

جمعت النتائج القاسية التي ظهرت بعد الانتخابات النيابية في لبنان، الخاسرين بل اعادت تحالفاتهم التي كانت عرضة للاهتزاز، فالضرر ان وقع سيطال الجميع دون استثناء.

لذا فأن الكلام الصادر عن رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل تجاه زعيم تيار المردة سليمان فرنجية خير دليل على هذا، بعد ان قال حرفيا خلال احتفال جماهيري بعيد اصدار نتائج الانتخابات : "يا صغار السياسة، يا متلوّنين، يا حربايات، يا أصحاب المصالح المتقلبة، يا مراهنين على زعامة أو رئاسة كتلة، انكشفتم أنتم وكتلكم الوهمية في كل مكان، من كسروان، لزحلة، لزغرتا، وأكيد لا أقصد بكلامي سليمان فرنجيه الذي مهما اختلفنا معه، يبقى أصيلاً".

فالرجلين اي جبران وسليمان لا عداوة بينهما، بل تنافس على الرئاسة الاولى، فكلاهما يسعى وبجهد كبير للحصول على شرف الجلوس على كرسي الرئاسة الاولى، لكن يبدو ان باسيل اصبح يعي تماما بان حظوظه بالفوز بالكرسي تعتبر متواضعة مقابل حظوظ فرنجية، علما ان هذا الكلام اتى بعد وجبة افطار رمضاني جمع فيها السيد حسن نصرالله امين عام تنظيم حزب الله اللبناني كلا الرجلين واضعا حد للتنافر العلني.

فباسيل الذي خسر عدد من حصته النيابية الا انه لا يزال يحتفظ بكتلة تعتبر جيدة في ميزان الربح والخسارة، ويعي تماما ايضا بان حظوظه لتولي الرئاسة باتت معدومة لاعتبارات عديدة، ولذا فانه يحاول تأمين قاعدة سياسية ودعم داخلي يؤمن له التواجد على الساحة السياسية خلال الفترة المقبلة، فبدلا من خسارته الرئاسة والكتلة النيابية فانه سيكتفي بحصته النيابية مع بعض الامتيازات التي ستؤمن له حضور وزاري مقابل ان يصبح رئيس لبنان المقبل الوزير والنائب السابق سليمان فرنجية.

وذلك مع تراجع حظوظ وصول قائد الجيش اللبناني العماد ميشال عون الذي يعتبر الحل الاخير لحل هذه المعضلة، كما حصل سابقا مع الرئيس ميشال عون والرئيس ميشال سليمان، فوصول ركن اساسي من محور المقاومة والمدعوم سوريا بعد التقارب السوري العربي يبدو بانه الخيار الاكيد للقوى الاقليمية لعدم الدخول في متاهة الفراغ الرئاسي من جديد كما حصل مع الرئيس عون، خاصة وان حزب الله ورغم خسارته لبعض النواب من حصة حلفائه الا انه استطاع الابقاء على الاغلبية النيابية في جعبته.

فمعركة باسيل الاساسية في الوقت الحالي هي مع سمير جعجع ومحورها التمثيل المسيحي، بعد ان اصبح جعجع رقما صعبا في هذه المعادلة، ويحاول باسيل دون ادنى شك بان يكون الحليف الاساسي لحزب الله مسيحيا في وقت يعتبر التقارب بين حزب الله والقوات اللبنانية مستحيلا نظرا لقيام القوات خلال الحرب الاهلية بخطف واخفاء مصير ثلاثة من موظفي السفارة الايرانية مع مرافقهم اللبناني، بالاضافة الى تبعية كل من الطرفين الى محاور معادية تمنع اي نوع من التقارب.

فوجود هذا الخلل بالتمثيل المسيحي في لبنان يضعف التمثيل المسيحي بشكل عام كما حصل بالتمثيل السني مما يخدم اجندة حزب الله، وقدرته على التحكم بمفاتيح القرار لسنوات قادمة، فالدولة اللبنانية كانت قائمة على التعدد الطائفي لكن التعدد الطائفي بمنظور حزب الله هو التحكم بقرارات الطوائف الكبرى (المارونية والسنية)، لصالح قراراته وتوجهاته التي تخدم خططه التوسعية باعتباره جزء لا يتجزا من المشروع الكلي للحرس الثوري.

اما وبالعودة لقوى التغيير، فانها محاصرة من القوى السياسية التقليدية وبالتالي لا قوة فعلية لديها داخل المجلس النيابي اللبناني، وبالتالي فان دورها لن يكون بثقل او نتيجة على قدر الامال على الاقل خلال انتخاب رئيس مجلس النواب الغير طائفي وبعدها رئيس للجمهورية، كون التقسيمة الطائفية المنبثقة عن اتفاق الطائف تستلزم تغير شامل يخضع له جميع السياسيين دون اي استثناء للقبول بعدم الانحياز للطائفة بل للوطن.