الشهداء الأمميون لثورة روجآفا - 1 باراماز كزلباش

"جئتُ كطلقة، وأصبحتُ أملاً للوطن والعالم والكون، أنا لم أكن أرمنياً، بل كنتُ باراماز، لم أكن علوياً، بل كنتُ كزلباشياً، والآن جئتُ إلى مشتنور وسط الغبار والبارود والدم والشعارات لأسدد ديّني من أجل رفاق دربي وشعبي".

كانت كوباني قبل أيلول 2014 مدينة صغيرة في كردستان، والتي لم تكن معروفة كثيراً، حيث توجه مرتزقة داعش الذين تم تشكيلهم من قبل الاسلامين السياسيين، إلى سوريا بعد السيطرة على الموصل، ووقفت قوات الدفاع في روجآفا بقيادة الكرد في وجه هؤلاء المرتزقة، ومع اندلاع  هذه المقاومة أصبحت هذه المنطقة حديث الساعة على وسائل الإعلام أكثر فأكثر، وأنصب اهتمام الرأي العام أكثر على هذه المناطق التي لم يسمعوا بها أبداً من قبل، وكان الاشتراكيون والثوريون من جميع أصقاع العالم يبحثون عن طرق وأساليب للانضمام إلى المقاومة الإنسانية المنقطعة النظير في كوباني، وبالإضافة إلى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية والدول الاسكندافية، توجه الكثير من الثوريين المنضويين ضمن المنظمات الثورية إلى كوباني للمشاركة في النضال الجاري بقيادة الكرد، حيث تعززت حلقة المقاومة في كوباني التي بدأت بعدة أشخاص فقط يوماً بعد يوم وأصبحت متنوعة، وجعلت من العنصرية والتمييز العرقي في مهب الريح.

وسنتطرق بالحديث في ملفنا عن شهداء النضال الثوري الأممي وعن نضالهم ضمن ثورة روجآفا انطلاقاً من باراماز كزلباش إلى جيوفاني فرانسيسكو آسبيرتي، ومن آنا كامببيل إلى صموئيل برادا ليون، ومن جران كونش إلى جاك هولمز، ومن عائشة دانيز كاراجاغيل إلى نيكولاس آلان واردين.

كان من عائلة مناضلة اشتراكية 

كان الشهيد الأول لهذا النضال الثوري الأممي، هو صبحي نجاة أغرناسلي، الذي كان بالأصل من عائلة أرمنية من مواليد عام 1984، ولقد كان النضال الثوري الاشتراكي إرثاً عائلياً بالنسبة لصبحي الذي كان يريد أن يملأ كل لحظة من حياته بالنضال، وقد تم نفي عائلته لمشاركتها بشكل نشط ضمن الحركات الاشتراكية في تركيا، وكان حفيد نيازي أغرناسلي، الذي عمل جده كمحامي للقادة البارزين للثورة في تركيا، أمثال دانيز غزميش، ويوسف أصلان ، وحسين إينان. 

وبعد تلقي صبحي تعليمه في ألمانيا، تابع تعليمه في جامعة مرمره في تركيا في قسم علم الاجتماع، واضطر إلى ترك الجامعة بسبب الهجمات الفاشية، ومواصلة تعليمه في جامعة بوغازيجي في اسطنبول، وأثناء دراسته في الجامعة ، قام بتنظيم مجموعات طلابية وأعد العديد من الأعمال الثقافية والفنية، وبقدر ما بحث في تاريخ تركيا والدول المجاورة، فقد أجل بحثاً أيضاً في نضالات العمال واليساريين والثوار ، وأصبح  يتمتع بمعرفة واسعة وعميقة، وفي 29 نيسان 2011 ، وفي سياق قضية منظومة المجتمع الكردستاني KCK ، تم وصف برنامج الدرس على أنها "وثيقة تنظيمية" وجرى سجن صبحي، وقال صبحي في تلك الفترة: "أنا أيضاً كاشتراكي ناشط، اعتبر  نضال حركة الحرية الكردية كتقليد من تقاليد من الصميم، وأعرّفُ نفسي كجزء لا يتجزأ من الحركة الثورية في تركيا، وإن الأعمال السياسية التي قمتُ بها حتى الآن، لأنها مرتبطة بطريقة أو بأخرى بالقضية السياسية الأساسية في تركيا ومع القضية الكردية، و تم إشراكي أيضاً في المجرفة، وإن النضال الممتد لثلاثين عاماً للشعب الكردي، هو بكل الأشكال نضالٌ مشروع حتى النهاية، وإن كنا اليوم قادرين على الحديث عن المسألة الكردية في تركيا، فإن الفضل في ذلك يعود لشرارة مظلوم دوغان".

 من إسطنبول نحو كوباني: من الدراسة نحو النضال الثوري

وتخرج صبحي الذي كان يتمتع بهوية مفكر وكاتب ومؤرخ وباحث اجتماعي وثوري، من قسم الدراسات العليا لعلم الاجتماع في جامعة بوغازيجي، وحينها انجذب انتباهه نحو نضال مقاومة كوباني، وانضم إلى المقاومة كعضو من الحزب الشيوعي الماركسي اللينيني (MLKP) واتخذ من اسم باراماز كزلباش كأسم له، وقد اتخذ من اسم الثوري الأرمني الاشتراكي باراماز (ماتيوس سركيسيان) كأسم له، والذي عُذب وأُعدم من قِبل الإمبراطورية العثمانية في 15-16 حزيران 1915 مع 19 رفيقاً من رفاق دربه.

وكان باراماز كزلباش قد قال في رسالة إلى عائلته قبل الانضمام إلى الدفاع عن كوباني: "لقد تركتُ حياةً خلفي، وتعلّمتُ أموراً كثيرة من كل شخص شاركني الحياة؛ ومع ما تعلّمته من أمور ، قمت بالاختيار، وأصبحت شاهداً على الحقيقة أو الحقائق ، وانتقلتُ في خضم جدلية الحياة إلى القطب الآخر، وآمل أن يكون وسيلة للخير، وكإنسان عادي جاء الحياة وكإنسان عادي أيضاً، استودعكم السلام، وربما كنتُ قد آذيتكم في بعض الأحيان ، أرجوكم، سامحوني للمرة الأخيرة، وكشاب عادي، قمتُ بالاختيار بسبب التناقضات العادية؛ وقد قمتُ قبل كل شيء بهذا الاختيار من أجل نفسي، وتيّقنتُ بأن تناقضاتي لن تزول، وباعتبار أن جميع هذه الأمور اجتماعية، سأحاول جاهداً أن أجعلها اجتماعية على مستوى أعلى فقط من خلال تنظيم التناقضات، وكانت هذه النقطة في حياتي هي التي جعلتني أكثر قرباً إلى الحقيقة. 

وكشخص وُلد سراً في مدينة سوك، وك دويسبورغي من تركيا، وككارل كلاوبيرغ، وكأياً كنتُ في تركيا؛ أنا لستُ نادماً على أي شيء، فجميع المصائب التي تحل على الناس، هي بالأساس بالنسبة للناس فرصة سانحة، وكان همي الوحيد هو أن لا أكبر أبداً، وألا أصبح جزءً من حياة الكبار، وأن أبقى دائماً طفلاً صغيراً، والآن أنا ذاهب إلى أرض الأحلام مثل بيتر بان، لكي لا أكبر في العمر ابداً، ولا يوجد شيء يسعدني أكثر من هذا الأمر، فكل قلب هو ملجأ ثوري!"    

استشهد في مشتنور

استشهد باراماز كزلباش، الذي ناضل في العديد من جبهات المقاومة في كوباني، في 5 تشرين الأول 2014 أثناء قتاله على جبهات المقاومة في تلة مشتنور، وعُثر على جنازته بعد 15 شهراً أي في كانون الأول 2015، وقال والده حكمت آجون، على حسابه الشخصي على وسائل التواصل الاجتماعي: "لقد عثرنا على جنازة نجاة بعد انقضاء 15 شهراً، وكما أعلن نجاة عن إرادته في سجله، سيُوار الثرى في الأيام القليلة القادمة في أرضه، في كوباني في مزار الشهداء كـ "ثوري أممي"، وسنعهده إلى جانب  رفاق دربه الذين حاربوا معاً ضد مرتزقة داعش من أجل روجآفا الحرة".

ودُفن بمراسم مهيبة في مزار الشهداء (الشهيدة دجلة) في 15 كانون 2015 بمدينة كوباني.

 

غداً: الشهداء الأمميون لثورة روجآفا - 2