في ذكرى الفاجعة ....حلبجه الشهيدة ألم في الوجدان الكردي ولن ينساها العالم

يستذكر الكرد اليوم الذكرى الـ 33 للهجوم الكيماوي على مدينة حلبجه التي استهدفها النظام البعثي العراقي عام 1988، حيث استشهد ما يقارب 5 الف شخص في اليوم ذاته غالبيتهم نساء واطفال، فيما استشهد الآلاف نتيجة مضاعفات استخدام السلاح الكيميائي.

و الهجوم الكيميائي، والذي يعرف بـ الإبادة الجماعية، أكبر هجوم كيماوي وُجّه ضد سكان مدنيين من عرق واحد (الكرد) حتى اليوم. وهو أمر يتفق مع وصف الإبادة الجماعية في القانون الدولي والتي يجب أن تكون موجهة ضد جماعة أو عرق بعينه بقصد الانتقام أو العقوبة.

وبدأت الجريمة قبل حلول الساعة الحادية عشرة صباحا بعدة دقائق، ، عندما قامت طائرات حربية عراقية وبأمر من وزير الدفاع الأسبق على حسن المجيد، بقصف المدينة بغاز غاز الخردل والسيانيد والذي تشبه رائحته رائحة التفاح، وأدى إلى استنشاقه  بسرعة لطيب الرائحة، بعد بعد فترة وجيزة، لاح مشهد المدينة منقطاً بجثث الشهداء، ممددة على الأرض.

وفي 23 آذار/مارس عام 1988، نشرت الصور الأولى للقصف الكيميائي. عرضها التلفزيون الإيراني وأكد صحتها صحافيون رافقهم الجيش الإيراني الى الموقع.

وانتشرت جثث أهالي المدينة بملابسهم الكردية في الطرقات، من دون أن تظهر عليهم آثار جروح.

وفي نهاية آذار/مارس، وصل فريق من منظمة "أطباء بلا حدود" من بلجيكا وهولندا في أول بعثة طبية إلى حلبجه. وأكدت البعثة استخدام غاز الخردل، وعلى الأرجح كذلك غاز السيانيد.

وفي أيار/مايو، أكد خبير بلجيكي في السميات أن تحاليل العينات "أثبتت استخدام ثلاثة أنواع من الغازات: السيانيد، وغاز الخردل و غازات تؤثر على الأعصاب".

هذه الجريمة التي نفذها ازلام النظام البائد بحق ابناء شعب جنوب كردستان لم تذهب دون عقاب، حيث اعتقل رموز وازلام النظام البائد في العام 2003 بعد اسقاط النظام البعثي على يد قوات التحالف، حيث شكلت المحكمة الجنائية العليا وبدأت بالنظر في قضية حلبجه.

وبدأت المحكمة الجنائية العراقية العليا، يوم 21/12/2008، الجلسة الاولى من محاكمة المتهمين في قصف مدينة حلبجه الشهيدة بالأسلحة الكيمياوية ،وهم  كل من: علي حسن المجيد الملقب بعلي كيمياوي مواليد 1944، فريق ركن في الجيش العراقي السابق عضو القيادة القطرية المنحلة، عضو مجلس قيادة الثورة المنحل، وسلطان هاشم احمد، مواليد 1945، وزير دفاع، صابر عبدالعزيز حسين الدوري مواليد 1949، محافظ بغداد، فرحان مطلك صالح الجبوري، مواليد 1947، لواء ركن متقاعد، طارق رمضان بكر العزاوي، مقدم طيار متقاعد.

و إحدى الشهادات التي تليت خلال المحاكمة افادت بان المجرم علي الكيماوي وهو يتحدث الى وفد من اهالي حلبجه بعد حصول الكارثة الكيمياوية حيث كان من المقرر ان يقابلهم المقبور صدام حسين، بعد ان رفض، تمت مقابلتهم من قبل  علي حسن المجيد وبدل أن يعزيهم فانه توعدهم وقال (ان حلبجه قذرة ويجب أن تزال تربتها وتلقى في البحر لبخاستها حيث بلغت الخيانة بهم ان يقولوا يسقط صدام)، لكنه اردف قائلا (كنا نتصور عدم بقاء حي فيه، انساناً أو حيواناً ونباتا)، ثم ختم حديثه (اني ضربت حلبجه بالأسلحة الكيمياوية وانتم تستحقون اكثر من ذلك) هذا قول  علي حسن المجيد الذي جاء على لسان أكثر من شاهد.

في كانون الثاني/يناير 2010، أعدم الفريق علي حسن المجيد ابن عم صدام حسين المعروف بلقب "علي الكيماوي" شنقاً.

و في 2012 سلم الحبل الذي استخدم  ـ"علي الكيماوي"، بعد إدانته في قضية قصف هذه المدينة بأسلحة كيميائية، الى متحف ضحايا  حلبجه.

في 23 كانون الأول/ديسمبر 2005، حكمت محكمة هولندية على فرانس فان أنرات رجل الأعمال الذي اشترى المواد الكيميائية في السوق العالمية وقام ببيعها لنظام صدام حسين بالسجن 15 عاماً.

ويذكر أن أبرز ما جاء خلال نص مرافعة المدعي العام في الجلسة الأولى لمحاكمة المتهمين في قضية حلبجه التي عقدت في عام 2008: "في يوم 13 و14/3/1988، اصطنعت القوات العراقية تراجعا امام القوات الايرانية الى قضاء سيد صادق ومهدت بهذا الانسحاب المتكتك للقوات الايرانية باحتلال ضواحي المدينة ولم تستعمل القوات العراقية قوتها الجوية الضاربة لضرب مواقع العدو (وهذا هو شعور الحلبجيين قاطبة) ولكن بدلا من هذا فإنها صبت النار صبا على الأحياء السكنية صبيحة 16/3/1988، بقذائف تصم الآذان من اصواتها المرعبة ومن قوة تدميرها وكان لهذا القصف هدف شيطاني ثنائي الغرض، غرضه الأول هو تدمير اكبر عدد ممكن من المنازل على رؤوس ساكنيها وغرضه الثاني فان هذا القصف سيلجأ السكان للدخول الى الملاجئ بحيث يعطي هذا اللجوء للعمل اللاحق بعدا نضاليا كما اسموه من خلال قوة تأثير الضربة الكيمياوية المبتدئة عصر يوم 16/3/1988، حيث أعطت الضربة الكيمياوية اثناء الدخول الى الملاجئ حصيلة يطمح النظام لتحقيقها وهو خنق المجاميع اللاجئة الى الملاجئ بالغازات السامة التي قذفتها الطائرات العراقية ولاسيما أن من طبيعة هذه الغازات انها تنتشر ببطء وتترسب الى الأسفل ويزداد ترسبها في الملاجئ بحكم طبيعة الملجأ المنخفضة"، مؤكدة "يؤيد ذلك ما رواه الشهود والمشتكون عن مشاهداتهم من استشهاد مجاميع كبيرة جدا خنقا بالكيمياوي داخل الملاجئ".

وأضافت "مثلما امتلأت الشوارع والازقة ايضا بالجثث المتفحمة وآلاف المصابين بضيق التنفس وذرف الدموع وفقدان البصر وتكرر هجمات الطائرات هذه بالأسلحة الكيمياوية حيث اصبح هجوما واسع النطاق وتكرر بشكل منهجي طوال ذاك اليوم والايام اللاحقة واصبح الوضع مرعبا كما يروي الشهود ولعمري ان هذا المشهد هو تنفيذ لمقولة المعدوم الاول صدام، حينما امر بالاستفادة من الانتاج الحالي للعوامل الكيميائية وتكديسها للحصول على ضربة واسعة عند الحاجة الضرورية وبذل الجهود الممكنة للتوصل الى تصنيع العوامل السامة بكميات كبيرة وبأسرع ما يمكن لاستخدامها كعنصر ردع مباغت باتجاه تحشدات العدو وتجمعاته المدنية، (رقم الوثيقة 2704 في 1/11).

ولفتت الى انه "امام هذا الموت الجماعي للسكان في الشوارع و تكديس الجثث في الملاجئ وعندما اصبح الموت يسجل أرقاما فلكية بالنسبة الى عدد السكان بالعالم، وعندما اصبح الموت يسجل أرقاما فلكية فان الذين كتب لهم خالقهم السلامة من هذه المذبحة او قبل هذه الابادة فانهم غادروا المدينة باتجاه قرية عنب او عبابيلي او سيروان ولكنهم لم يستطيعوا التحرك الى تلك المناطق لكون الجثث قد سدت الطرقات واعاقت حركة السيارات والجرارات، بل قل ان السيارات كانت تسير على الجثث أحيانا ومن وصل منهم الى هناك خصوصا الى قرية عنب او عبابيلي او قرية جليلة فإنهم لم يستطيعوا التقدم الى أبعد من ذلك لأن الجسر الذي يربط المنطقة بمحافظة السليمانية وهو جسر زلم، كان مقطوعا، اضافة الى متابعة الطائرات للمجاميع الهاربة و قصفها بالكيماوي بحيث اصبح مثل المجاميع الهاربة كمثل المستجير بالرمضاء من النار وهذا مع العرض ان ضرب المجاميع الهاربة هو عنصر من عناصر اثبات جريمة الابادة الجماعية، وكثير من الناجين من الضربة الكيمياوية قد وصفوا هذا المشهد بانه اشبه بيوم الحشر".

واشارت الى انه " بعد ان امتلأت الشوارع والازقة بالأجساد المتفحمة تناخى الشبان لعملية الدفن الجماعية وانبرى حوالي (300) شاب لعملية الدفن في مقبرة (شهيدان) وفي اماكن اخرى ولكثرتها قامت القوات الايرانية المتواجدة واستخدمت الجرافات والحفارات بحفر حفرة عميقة تم دفن الجثث فيها، ويروي أحد الشهود انه اثناء الدفن قدمت سيارة تحمل (30) جثة دفعة واحدة، مما سبب اعياء لدى الدفانين ومن المشاهد الحزينة، امرأة متفحمة الجسد تحتضن اولادها الاربعة المتفحمة اجسادهم ايضا، عيونهم مفتوحة،  ولم تنته معاناة الناس عند هذا الحد بل بدأت صفحة جديدة من رحلة العذاب وهي ان الذين وقعوا في ايدي القوات العسكرية من العائدين بعد هروبهم الى دول الجوار، نقل قسم منهم نقلا قسريا الى الصحاري حتى بلغ بهم المآل الى نقرة السلمان وهناك التقى الجمعان المقهوران، جمع الحلبجيين وجمع المؤنفلين، حيث ان المؤنفلين سبقوهم الى هذا المكان الذي ما فيه يدل على القسوة والغلظة، قاعات السجن الرهيبة، طبيعة البناء، طبيعة السجانين وهناك مورست معهم الاساليب من تفريق العوائل واخضاعهم لظروف معيشية غاية في الحرمان اضافة الى الضرب الذي لا رحمة فيه على ايدي جلاوزة النظام وحرموهم مما يكفي عودهم من الغذاء وانتشرت الامراض المعدية مثل الكوليرا وغيرها من الامراض ومات الكثير من الاطفال والنساء والحوامل ومن يتوفاه الله فان نصيبه السحل خارج قاعة السجن. وربما يتحرك ضمير بعض السجانين، ربما، فيقومون بالدفن ووضع طبقة خفيفة من التراب على الجثة وتصبح الجثة طعما للكلاب والقطط السمان التي ازدادت شحومها من أكل الجثث لان نبشها اصبح سهلا ميسورا، ناهيك عن الدفن فإنه يتم من دون المراسيم المعروفة وبالتأكيد فإن السجانين غلاظ القلوب قد نسوا تعاليم دينهم الحنيف، اما القسم الآخر من العائدين الذي وقع في أيدي جلاوزة النظام، فقد تم تجميعهم وارسالهم الى ما يسمى المجمعات السكنية التي تحمل اسما فقط، فهي مجمعات التجميع والتجويع والتجهيل فعلا، لأنها لا تختلف عن مثيلتها نقرة السلمان مثل مجمع سيروان ومجمع عنب ومجمع باينجان. وبعد صدور العفو في الشهر التاسع من عام 1988 فوجئ أهالي حلبجه بما لا يختلف في قساوته عن الإجراءات التعسفية السابقة حيث حرموا من الرجوع الى وظائفهم ومنعوا من العمل و ارسال اولادهم الى المدارس بل طال العقاب حتى من يؤجر داراً لأهالي حلبجه في مدينة أخرى".

واصدرت المحكمة الجنائية العراقية العليا يوم الاحد 17/1/2010 أحكامها النهائية بحق المدانين في قضية فاجعة قصف مدينة حلبجه بالأسلحة الكيمياوية.

ومن المؤكد ان قصف حلبجه كان ضمن سلسلة جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبها نظام صدام البعثي في جنوب كردستان، حيث شن النظام البعثي هجمات عنيفة ضد الكرد الفيليين، وقتلوا عشرات وشردوا الآلاف منهم، ولا يعرف مصيرهم حتى الآن. وفي أوائل الثمانينيات، دفن 8 الف بارزاني حياً اثناء عملية الانفال، كما تم نقل أكثر من 182 ألف مدني بريء مثل  إلى صحاري جنوب العراق وقتلوا بوحشية في عملية استمرت قرابة 4 سنوات عُرفت باسم عملية الأنفال وتم تدمير أكثر من 4 الف  قرية في كردستان.