فارتو: العراق يخوض حرباً قوية وأزمته لا تكمن في تشكيل حكومة جديدة

أكد عضو لجنة العلاقات الخارجية لمنظومة المجتمع الكردستاني، سرحد فارتو، أن المرحلة التي يمر بها العراق الآن ليست مرحلة انتقال سياسي وتشكيل حكومة جديدة، إنما حرب قوية بين محورين متناقضين، وأن على الكرد إدراك هذه المسألة جيداً.

قال عضو لجنة العلاقات الخارجية لمنظومة المجتمع الكردستاني، سرحد فارتو، في الجزء الثاني من حواره مع وكالة فرات للأنباء، بشأن المجريات الأخيرة في سوريا و العراق، إن العراق يعيش حربا قوية ما بين محورين متناقضين، وأن موقف الكرد في هذه المرحلة مهم جداً، معتبراً أن هذا التناقض سيمنح الكرد فرصة إعادة النظر بسياساتهم وحل مشاكلهم بشكل ديمقراطي.


وتحدث فارتو في الجزء الثاني والأخير من الحوار حول الوضع السائد في العراق وجنوب كردستان، حول مرحلة تشكيل حكومة العراق الجديدة والإنقسام الشيعي.
وأكد أن الحرب التي تدور رحاها في العراق الآن هي حرب على السلطة والتسلط، فإلى الجزء الثاني من  الحوار:

تدور في العراق معركة سياسية، تختلط فيها العوامل الخارجية، خصوصا الصراع الأمريكي الإيراني، بعد انسحاب الولايات المتحدة من الإتفاق النووي، بالعناصر الداخلية الناجمة عن صراع المكونات السياسية وتفرعاتها المذهبية كيف تقيمون هذا الوضع؟   

بلا شك، المشهد العراقي، معقد وبحاجة إلى تقييم وتحليل سليم، بالأخص بعد سقوط نظام البعث في العراق.
فقد عانى العراق مشاكل اجتماعية واقتصادية وسياسية كبيرة، وهو ما أعقبها معركة دولية جنونية على السلطة والتسلط في العراق، بالإضافة إلى وقوع حرب ونعرات بين القوى والأطراف العراقية الداخلية، المرتبطة بالخارج والتي تأتمر بأوامر القوى الدولية والإقلمية، في إطار حرب على التسلط.
وأرى أن هذا المشهد غير المستقر الذي لا يزال مستمراً حتى يومنا الراهن، جزء لا يتجزأ من الحرب السائدة في الشرق الأوسط. فبعد انهيار سلطة وحكم صدام حسين، لعب العنصر الأمريكي الدور الأساسي في المشهد العراقي، محاولة منه لبسط نفوذه على العراق وإعادة تصميم نظامه من جديد، لكن المجريات التي جرت على أرض الواقع، أوضحت أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تسطيع الإنفراد بالسلطة في العراق.
في الواقع أن إيران شجعت على التدخل الأمريكي في العراق، حيث سارعت لإظهار ثقلها في العراق وأجبرت الولايات المتحدة الأمريكية على ترجيح الإنسحاب من العراق لفترة لا يستهان بها.
وباعتقادي فإن ظهور داعش ما كان إلا مداخلة للوضع السياسي والعسكري المعاش في العراق، فالتأثير القوي لإيران على المشهد العراقي كان محط ازعاج وقلق لدى تركيا والمملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي وبعض الأحزاب الكردية في جنوب كردستان.
لكن حين انحرف تنظيم "داعش" عن المسار المرسوم له وخرج عن مهمته التي أوكل بها، وقام بممارسات وعمليات بشعة، أثار ذلك حفيظة الرأي العام العالمي والعراقي، وعليه تم تصنيفه في فترة قصيرة ضمن لائحة الإرهاب والقوى غير المشروعة.
وشجع هذا الأمر الولايات المتحدة الأمريكية لتجديد تدخلاتها في العراق واستثمرت الحرب ضد داعش كوسيلة لتشريع هذا، وهو ما أدى إلى إحياء الحرب بين الأطراف وإلى نشوبها من جديد، وذلك عبر الأطراف المتصارعة في العراق، حيث لجأت القوى إلى استخدام مبدأ الوكالة في حربها.
ومع مرور الزمن، برزت العناصر الأساسية الكبرى التي  تتحكم بالمشهد العراقي بشكل جلي، فالقوى الرئيسية أمثال أمريكا وإيران وتركيا تلعب دورها بشكل فعال في العراق.
وأرى أن انهيار داعش في العراق لم يلب الأمال العراقية، وبالرغم من أن الأطراف والقوى المتصارعة التقت في نقطة احتواء داعش في العراق، لكن هذا لا يعني أن حسابات القوى المتصارعة لا تختلف وتتناقض في ملفات أخرى، ويعود هذا التفاهم فقط إلى كون "داعش" أصبح يمثل الخطر الحقيقي على العراق والمصالح الخارجية .

ماذا عن البيت الشيعي وتناقضاته، فمنذ الإنتخابات 12 (أيار) الماضي العامة في العراق برز تشرذم واضح في البيت الشيعي.. ما أسباب هذا  الانقسام ؟

بالطبع؛ شهد العراق في عقوده الأولى تناقضات مميتة ولا سيما ما بين السنة والشيعة، ومن ناحية أخرى ما بين الكرد والعرب، فضلا عن التناقض السني السني أو الشيعي فيما بينهم البعض.
وعندما تزايد التدخل في العراق من الخارج ، أدى هذا الوضع إلى دخول القوى المحلية العراقية في علاقة مع العناصر الدولية والإقليمية، ما يعني أن الكثير من القوى على علاقة حسنة مع قوى محلية وشيعية وسنية في العراق.
علاوة على ذلك سارعت القوى الخارجية إلى تطوير علاقاتها مع الكتل الشيعية، وفي اعتقادي أن أمريكا وقوى التحالف الدولي وصلوا إلى نتيجة، فإنه حال لم يحدث انقسام في الصف الشيعي، فهذا يعني أنهم سيفشلون في تحجيم الدور الإيراني وإضعاف تأثيره في العراق. وكان للبرنامج الأمريكي وحلفائه في التحالف الدولي ضد داعش حينذاك أساس تاريخي، مثلا البيت الشيعي في بداية انهيار نظام صدام حسين، كان متناغماً ومتفقاً، وعاد ذلك إلى الإضطهاد الشديد الذي تعرض له الشيعة من نظام صدام حسين، وحينها سارعت إيران إلى مد يدها وساندت الشيعة إلى أن وصلوا إلى سدة الحكم في مرحلة  ما بعد عام ( 2004).
وأعتقد أن هذا التعاون والعلاقات الجيدة ما بين القوى الشيعية وإيران استمر حتى عام ( 2014 )، فيما أن الإختلافات السوسيولوجيا الإجتماعية، تسببت بالتحولات في المنحى الفكري في الصف الشيعي، مما حث بعض القوى إلى أن تضع مسافة في علاقتها مع إيران.
 وإن عدنا إلى التاريخ، سنرى أوجه الإختلاف بشكل جلي ما بين المذهب الشيعي الإيراني والمذهب الشيعي العراقي، فالمذهب الشيعي في العراق ينتسب إلى الطبقة العربية الفقيرة في المجتمع، كما أنها تتخذ من الثقافة العربية هدفاً رئيسياً لها، أما المذهب الشيعي في إيران فهو متأثر بالثقافة الفارسية وذو طابع  سياسي أكثر منه ديني.
وفي الأساس هناك مركزان أساسيان للشيعة أحدههما في النجف والأخر في قم، حين ظهرت التناقضات في الصف الشيعي، سارعت الدول العربية وأمريكا بدعم شيعة العراق لإحداث شرخ بينهم وبين إيران، وإن لاحظتم الزيارات التي جمعت الرئيس الوزراء العراقي مع الجانب السعودي في الرياض وزيارة وزراء السعودية للعراق ما هو دليل على هذه الحقيقة.
وهذا أدى إلى ظهور ثلاث مسارات شيعية، مسار يسيطر عليه النزعة القوموية العربية ومسار ذو نزعة قومية شيعية لبيرالية والأخير ذو نزعة مذهبية بحتة.
وسارعت أمريكا لتحسين علاقتها مع مسارين من المسارت الثلاث، وفي المقابل طورت إيران علاقتها مع المسار الثالث، وإن بروز هذا التشرذم والمراوحة فيما بين القوى الإقليمية والدولية يعد المشكلة الأساسية في العراق.
وإلى جانب ذلك الإنقسام الشيعي، لم تظهر محاولات جدية لحل المشكلة السنية ومشكلة الكرد، ما يعني أن المداخلات الخارجية التي بدأت فيما بعد عام 2004 وضعت النقاط على  الحروف وأثبتت المشاكل التي يعاني منها العراق بشكل أوضح.
وأعتقد أن تكدس المشاكل في تلك الفترة وعدم خروج من يتجرأ لرفع صوته عمق من حدة الأزمة، وهذا لا يعني أنه لم يكن هناك من لا يناضل ضد النظام الموجود حيال طمسه للهويات، فعلى سبيل المثال مقاومة الكرد والبيت الشيعي لم تكن مقاومة سهلة.
ومن جانب آخر سارعت العناصر الكبرى الفاعلة في المشهد العراقي إلى التحكم بالوضع وضبطه تحت سيطرتها، وأعتقد أن المداخلة التي بدأت عن طريق داعش عمقت من هذه المشاكل والعكس صحيح.
وبكل سهولة أستطيع القول أنه لا توجد قوة عراقية داخلية ذات توجهات وبرنامج ديمقراطي تلعب الدور المؤثر على المشهد العراقي، كما أن جميع المشكلات العراقية المتعددة الجوانب تنبع من أن القوى الداخلية تدعم من الخارج بتقرباتها وقراءتها للمرحلة، فالقوى الداخلية المعارضة لا تمتلك مشروع ديمقراطي لحل المشاكل الإثنية والإقتصادية والاجتماعية و السياسية في العراق.
 وهذه القوى بمقارباتها السطحية تلبي مطالب سياسات القوى الدولية والإقليمية في العراق وذلك في وقت يمر الشرق الأوسط بأزمة كبيرة والأطراف الإقليمية والدولية في سباق لتقسيم المنطقة فيما بينها، ولا يظهر أي لاعب قوي ليتقدم بمقترح مستقل لحل الأزمة العراقية، مقترح يتضمن برنامج يعالج المشاكل التي يعاني منها العراق منذ عقود عدة.
رأينا أنه بالرغم من دحر داعش، إلا أن المشاكل لم تحل وهذا ما ظهر للقاصي والداني أن المشكلة الأساسية لا تكمن في وجود داعش وخلاياه.
صحيح أنه (تنظيم داعش) لعب دوراً هاماً، خلال الأعوام الثلاث الماضية بتغطيته الكاملة للمشاكل والظواهر المنتشرة، لكنه وعندما أسدل الستار عليه عاودت هذه المشاكل للظهور وبشكل أوضح.

هل يمكننا تسمية الحرب التي تدور برحاها في العراق بالحرب الدولية؟    

بلا شك، حرب العراق هي حرب دولية مثلها مثل الحرب الدائرة في سوريا، فالصراع الدائر لا يستمد قوته من دينمايكيات القوى الداخلية فقط، فالقوى الداخلية تمثل الوسيلة والأداة للحرب الدولية، إيران تسعى إلى توسيع رقعة نفوذها على المنطقة من جهة، ومن جهة أخرى تريد أمريكا أن تفرض سلطتها على العراق ومنطقة الشرق الأوسط عامة، لتعيد رسم خارطة الطريق من جديد، ومن جانب آخر تأتي روسيا،التي تتفاهم مع إيران، تركيا، التي تسعى لإحياء أمجادها في العراق وسوريا، لذا إن لاحظتم فإن جميع القوى الدولية والإقليمية تتسابق لتحسين علاقاتها مع القوى المحلية.
ومن هذا المنطلق أقول إنه من الصعب أن تجد سياسة محلية مستقلة تسطيع أن تمارس السياسة بفكرها، فليس هناك من ذهنية وتنظيم يتجاوبان لتأسيس السياسة المطلوبة، والقوى الدولية لا تسطيع حل المشاكل العالقة.
وحيث اعتدنا في المشهد العراقي، عند تدخل أي قوة دولية وإقليمية في أي حراك بالعراق، نجد الأخرى تتسارع بخطواتها وتعزز من وجودها بشكل أكبر، حينها تظهر الأزمات والمشاكل، وعندما تسعى القوى المحلية والدولية لتوجيه بوصلتها باتجاه آخر ، فإن الصمت يخيم على الشارع العراقي، وهذا لا يعني أن المشاكل تم حلها، ففي جوهرها مرحلة مؤقتة، وحين تصل الصراعات والحروب إلى درجة الإنفجار حينها ترى أن الأطراف المتصارعة تتفق فيما بينها.
ومن هذا المنطلق أرى أن الحرب التي تهدف إليها الأطراف الدولية والإقليمية قائمة، لذا من الصعب تشكيل حكومة جديدة في العراق.

كانت الولايات المتحدة الأمريكية وإيران على تفاهم كامل منذ سقوط نظام البعث، واجتمعا على تدمير العراق، لكن بالرغم من هذا التعاون التاريخي إلا أنهما الآن يتخذان من العراق مسرحا لصراعهم وحربهم فما أسباب هذا التحول؟

 بلا شك، العلاقات الإيرانية الأمريكية كانت جيدة جداً، في مرحلة ما قبل الإنقلاب في إيران، لكن هذه العلاقات انهارت بعد استلام النظام الإسلامي زمام الأمور هناك، فللنظام الإيراني سياسة ذات توجهات توسعية في الشرق الأوسط ولاسيما في الدول ذات الأغلبية الشيعية.
وشكل هذا التوجه الإيراني خطراً كبيراً على مصالح إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، بل وهدد وجودهما.
وتزامن ذلك مع الإصرار الإيراني لتصنيع السلاح النووي، وهنا تعمقت التناقضات الأمريكية الإيرانية.
وربما تلجأ هاتان القوتان المتناقضتان إلى تفاهمات أحياناً، وهذا ما ظهر جلياً  في الاتفاق على دحر "داعش" بالإضافة إلى تفاهمهما على نقطة مشتركة إزاء إستفتاء جنوب كردستان الماضي وأحداث  16 أكتوبر، وهذه التفاهمات إتفاقات تكتيكية لا استراتيجية.
وأرى، بشكل فعلي، أن الطرفين يعادي بعضهما الآخر، وأعتقد أن الأحداث والمجريات التي تجري في المشهد السوري والعراقي واليمني واللبناني، هي التي ستحدد مصير هاتين القوتين في المنطقة.
وحال نجحت أمريكا في تضيق الخناق على إيران في اليمن وسوريا ولبنان والعراق، فإنها ستكون المنتصرة في المعركة والعكس صحيح فإذا تمكنت إيران من حماية وجودها في المنطقة، سيكون وجود أمريكا المركزي والسلطوي في خطر.
لذا فنحن أمام حرب صعبة المنال، هي حرب ذات طابع سياسي، دون اللجوء إلى الأساليب عسكرية، تعتمد على حرب الوكالة، ويتضح لنا أن العراق هو الساحة الأنسب لإيران والولايات المتحدة الأمريكية لتسيير هذه الحرب.

كيف تابعتم أحداث البصرة وإنتفاضات الشعب العراقي، وبرأيكم هل هذه الإحتجاجات منظمة بأذرع خارجية ؟

بخصوص الأحداث التي تقع في البصرة، فمن الواضح أن هناك انتفاضة شعبية، وهذا ليس في البصرة فقط وإنما في كافة أرجاء العراق.
وفي اعتقادي أن النتائج التي نتجت عن إنتخابات 12 أيار مهمة للغاية، حيث أدلى 40% من الشعب العراقي بصوته في هذه الإنتخابات وهذا أمر لا يمكن أن يستهان به، كما أنه مؤشر هام بأن الشعب العراقي لم يعد يرى مستقبله في الأحزاب السياسية الحاكمة في العراق.
إن لفت انتباهكم فالقوى الدولية والإقليمية كانت تتابع هذه الإنتخابات وتظهر الإهتمام بها أكثر من الشعب العراقي ذاته، فأي طرف سينتصر.
أمريكا، إيران، تركيا والسعودية تابعت الإنتخابات الماضية بحذر حتى وصل الأمر بهم إلى التدخل، لكن الشعب العراقي لعب دور المتفرج رغم أن هذه الإنتخابات تعنيه أكثر من أي طرف آخر إن أردنا الحقيقية، وقاطعوا العملية الانتخابية، لأنهم تيقنوا أن هذه العملية  لن تحل لهم مشاكلهم، وأن القوى الدولية تتابع هذه الإنتخابات لأجل سلطتها ومصالحها.
وبالفعل استمرت المشاكل ولم تؤسس الحكومة الجديدة، ومن ثم فإن المحصلة أن انتخابات 12 أيار/مايو، لم ينتج عنها شئ، إثر ذلك احتشد الشعب في الساحات والمدن وانتفض، وفي اعتقادي أنه ليس من الصائب  تقييم الإنتفاضات والإحتجاجات التي بدأت منذ أسابيع عدة على أنها انتفاضات منظمة من إيران أو أذرع خارجية، أو من بعض القوى السنية أمثال المملكة العربية السعودية، كما يقيمها بعض المحللين.
والواضح أن هناك حالة عدم ارتياح جدي من الشعب العراقي إزاء الوضع الحالي. علاوة على ذلك فإن لكل فعل ردة فعل، وهذا ما يتضح من هذه الإنتفاضات. فجميع الأطراف الحاكمة استهدفت من قبل أهالي البصرة بما في ذلك مقر القنصلية الإيرانية ومقرات الحشد الشعبي المؤيدة لإيران إضافة إلى مقر المحافظ، وهذا أمر لا يمكن غض الطرف عنه.
أعتقد أن جوهر هذا الموقف الجدي فيه رفض لجميع الأطراف المتواجدة، أي أن الشعب بات يريد بديلا آخراً، ويأمل في حل يمثلهم ويمثل مصالحهم، فالمشكلة تكمن في أن الطرفين المتنازعين، الإيراني والأمريكي، يريدان الإستفادة من هذه الإنتفاضات، فالجماعات المرتبطة بهما تريد رسم هذه الإنتفاضة وفقاً لما يخدم مصالحهم وأجندتهم في المنطقة، وهناك جهود لتشكيل الحكومة لكن المشكلة لا تكمن في ذلك وإنما في أن الأطراف المرتبطة بإيران تسعى لتعزيز جبهتها والأطراف المرتبطة بأمريكا والدول العربية أيضا تحاول هي الأخرى، وهذا ليس مؤشراً للحل وإنما لصراع وأزمة جديدة، فالوضع في العراق مرتبط بالعلاقات الأمريكية الإيرانية، وإن تعمقت حدة التناقضات الإيرانية والأمريكية فهذا سيؤدي إلى حرب شديدة، وإن التقيتا في نقطة مشتركة سيتغير الوضع بما يجلب الإستقرار إلى العراق.
ما يتضح لنا من السياسة الأمريكية التي أعلنها ترامب وجهودهم الحثيثة في تشكيل حكومة جديدة خالية من النفوذ الإيراني، تفيد بتضيق الخناق على إيران في سوريا والعراق واليمن .
وأعتقد أن إيران تواصل محاولاتها لردع السياسة الأمريكية في تشكيل حكومة عراقية دون نفوذ إيراني، ما يعني أن العراق سيمر بمخاض عسير من الآن فصاعداً وبالتالي، فإن الأمور إما تتجه نحو تأزم الأوضاع أكثر وتتجه بالعراق إلى حرب وإما ستتفاهم إيران وأمريكا حول نقطة مشتركة، وهذه سياسات وتكتيكات وأمور لا يمكن التكهن بها.

كيف تقيمون الوضع الكردي في مرحلة الإنتقال السياسي وتشكيل الحكومة العراقية الجديدة ؟

مما لا شك فيه أن إجراء حكومة إقليم كردستان للإستفتاء وطلب الإستقلال، قلص من موقع الكرد في المشهد العراقي وفقد تأثيره الوازن في المعادلات العراقية الداخلية، فلا القوى الدولية ستمنح دوراً هاماً للقوى الكردية ولا القوى الداخلية العراقية سيدخلون في علاقات استراتيجية مع الكرد في هذه المرحلة.
رغم أن البيتين الشيعيين لا يستطيعان تأسيس حكومة جديدة إلا أنهما لم يتصالحا مع الكرد ولم يدخلا معهم في مصالحة استراتيجية في المناطق المتنازعة عليها، وهم يريدون أن يقف الكرد إلى جانبهم دون أن يمنحوهم شئ وهذا إن دل على شيء يدل على ضعف الوضع الكردي في الوسط العراقي.
لذا فإنه على الكرد أن يتخذوا الحيطة والحذر، وأن يعلموا أن هذه المرحلة التي يمر بها العراق ليست انتقالاً سياسياً وتشكيل لحكومة جديدة وإنما هي حرب قوية بين محورين متناقضين، والموقف الذي سيبديه الكرد في هذه المرحلة مهم جداً، فهذا التناقض سيمنح الكرد فرصة إعادة النظر في سياساتهم وحل مشاكلهم بشكل ديمقراطي للمساهمة في تأسيس عراق ديمقراطي، كما يُحتّم على الكرد الترجيح ما بين الأطراف والمحاور.
لذا على الكرد ألا يفقدوا وقتهم في المرواحة  بين محورين أو جبهتين، كي لا تعيد المشاكل والأزمات تكرار ذاتها، وينبغي على الكرد تحديد موقفهم من الوضع الحالي واختيار النهج الصائب الذي يخدم العراق الديمقراطي ومستقبل شعبه.
ومن هذا المنطلق يستطيع الكرد إبراز بديل ثالث، ولا يعني هذا أنهم لا يستطيعون الدخول في العلاقات مع الأطراف الأخرى، لكنهم بحاجة إلى استراتيجية خاصة بهم، فإذا لم يعملوا على تأسيس استرتيجية خاصة بهم، فلن يستطيعوا أن يصبحوا ذوي حضور مؤثر في المشهد العراقي.
ولهذا أعود لأؤكد أن الكرد بحاجة ماسة إلى تقرب عقلاني كهذا، ولعل الموقف الكردي الموحد، للتفاوض مع مختلف الكتل في بغداد أمر مهم.
ومن المؤكد أن الإتفاق الكردي مهم جدا، لكن علينا ألا نقع في الأخطاء، وماهية البرنامج والأهداف التي تم الإتفاق عليها، أمور لا يمكن الإستخفاف بها، فالبرنامج المتفق عليه يهدف إلى مصلحة أي من الأطراف، وهل يخدم المصالح الضيقة أم عامة الكرد؟ وهل هذا الإتفاق يهدف إلى مشروع لا يتجاوز القوموية والنعرات المذهبية؟
إن كان البرنامج على هذا الشكل فهذا أمر غير مقبول به. وعندما يتضمن هذا الإتفاق في ثناياه مشروع يهدف إلى دمقرطة عراق برمته، حينئذ سينتصر الكرد والأطراف العراقية بأكملها، وحينها لن يبق الكرد بمفردهم، ويمكنهم عقد مصالحات قوية مع كافة المكونات العراقية بعربها وتركمانها ومذاهبها وطوائفها عامة، وهذا العمل سيخدم الوضع الكردي ويعزز من مكانتهم لدى المكونات العراقية الأخرى، وهذا ما يريده الشعب العراقي من مشروع ديمقراطي يمثل صوتهم وآمالهم كون الشعب العراقي شبع من الشعارات والعبارات الرنانة التي لا طائل منها، كما مل من الحرب بالوكالة والصراعات والأزمات.