استمرار الازمة الاقتصادية في جنوب كردستان... صعوبة المعيشة كانت وراء إضرام مواطن النار بجسده

توفي اليوم الثلاثاء  مواطن من مدينة السليمانية في اقليم كردستان، اقدم يوم امس الاثنين، على اضرام النار بجسده بسبب "صعوبة المعيشة"، وفق ما أفادت شرطة السليمانية.

وكان المواطن المسن الذي يبلغ من العمر 63 عاماً  قد اضرم النار في جسده يوم امس في الحديقة العامة في مدينة السليمانية على مرأى من الناس، بسبب عوزه وتراكم الديون عليه.

و قال المتحدث باسم شرطة السليمانية ،سركوت احمد، ان المواطن توفي في مشفى الحروق بالمدينة، حوالي الساعة 12:00 من منتصف الليلة الفائتة

بحسب المعلومات التي افاد بها المتحدث نقلاً عن ذوي الضحية، فان الاخير كان قد يعمل كتاجر بين السليمانية و بغداد، ومؤخراً قد تم حجز شحنات تجارية له مما ادى الى خسارته و بالتالي اصبح مديوناً وهذا ما دفعه للانتحار حرقاً.

ويعاني اقليم كردستان من ازمة اقتصادية خانقة  بدأت تضغط على مواطني الإقليم، في ظل غياب حلول بديلة من قبل الحكومة   لمواجهتها بعد فشل جولات من الحوار مع الحكومة الاتحادية في بغداد لصرف رواتب موظفي الاقليم والاتفاق حول الملفات المعلقة بين الطرفين منذ سنوات.

وحذر مراقبون  من انفجار الوضع في اقليم كردستان وانفلات الامور، واتساع رقعة  التظاهرات بسبب عدم دفع المرتبات و استمرار حكومة الاقليم بسياساتها الاقتصادية .

وبحسب المراقبين فان  حكومة الاقليم مفلسة اليوم وتنتظر الاتفاق بينها وبين حكومة بغداد ، التي هي الاخرى لديها ازمة اقتصادية .  واذا طالت ازمة اسعار النفط وكورونا، فان الاقليم لا يستطيع الاعتماد على بغداد فقط لتأمين الرواتب، خاصة ان الاقليم ليس لديه  نية حقيقية للاصلاح ، وبالتالي ليست هناك حلول جدية للمشاكل، لذا فالشارع سيبقى متأزما والاعمال متوقفة والقطاع الخاص يتهاوى.

وشهدت المؤسسات  الحكومية في الاقليم اضراب موظفيها عن الدوام واعلنت الكوادر الطبية في السليمانية عن الاضراب عن الدوام بعد تأخر رواتبها ثلاثة اشهر، فيما خرج خرج موظفوا دائرة المرور في مظاهرة احتجاج مطالبين بصرف رواتبهم المتأخرة.

وانتشر مؤخرا في الاقليم على مواقع التواصل الاجتمعي  هاشتاغ( اين 400 مليار دينار)، وبالخصوص ذاته رفع  نواب كرد في مجلس النواب العراقي  شكوى الى هيئة النزاهة ضد حكومة الاقليم، مطالبين بالكشف عن مصير  الـ " 400 مليار دينار "  التي ارسلتها الحكومة الاتحادية كمستحقات رواتب الموظفين للاقليم لشهر نيسان واستخدمتها حكومة الاقليم لتسديد ديون بذمتها لشركات ومقاولين، في حين ان موظفي الاقليم لم يستلموا لحد اليوم رواتب شهر شباط...

وأقدمت حكومة الإقليم التي يرأسها "الحزب الديموقراطي الكردستاني"، الأحد الماضي، على اتخاذ عدد من القرارات التي تخص الوضع الاقتصادي في الإقليم، من بينها استقطاع نسبة من مرتبات الموظفين والدرجات الخاصة، وهو القرار الذي قوبل برفض من قبل الاتحاد الوطني الكردستاني .

الفساد سبب رئيسي للازمة الاقتصادية

وقال الصحفي شيرزاد شيخاني في مقال نشره على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك :"منذ عام 2007 ومع إكتشاف الحقول النفطية في كردستان بدأت عمليات التهريب عبر الشاحنات تجري على قدم وساق بعيدا عن سيطرة الدولة ، وأصبحنا نسمع عن الكثير من العقود النفطية المبهمة التي أدى غياب الشفافية فيها الى حدوث مشاكل مزمنة مع بغداد التي تنظر الى الثروة النفطية بعموم العراق بأنها ملك للشعب العراقي وفق الدستور".

واستدرك  "لكن السلطات في اقليم كردستان عاندت وأصرت على التصرف بهذه الثروة بعيدا عن سيطرة الدولة المركزية وتبنت سياسة نفطية مستقلة دمرت كردستان لاحقا . فقد طفت على السطح عصابات مافياوية إستغلت تلك الثروة لمصالحها الخاصة وليس لمصلحة الشعب الكردستاني المحروم، وهذا ما عقد المشكلة أكثر مع بغداد التي لجأت أخيرا الى قطع تمويلها لحكومة الإقليم من ميزانية الدولة العراقية . وأصبحت عوائد النفط الكردي غير الشفاف أصلا ، هي المصدر الوحيد لتأمين رواتب موظفي الحكومة في أربيل . وهنا تبين حجم الكارثة الإقتصادية الكبرى الناجمة عن إنتهاج سياسة النفط المستقلة، فالإيرادات غير الشفافة لتصدير النفط لم تعد تغطي الحاجة، وفي غياب مصادر اخرى للتمويل لجأت حكومة الاقليم في خطوة غير مسبوقة بأي دولة بالعالم الى تخفيض رواتب موظفيها الى الربع ، على الرغم أن بعض التقارير تحدثت عن تصدير الإقليم لما يقرب من نصف مليون برميل من النفط يوميا !!".

واشار شيخاني الى " موظفي الحكومة والمجتمع عامة عانى من ضائقة إقتصادية مميتة لأكثر من أربع سنوات متحملين شظف العيش والعوز والفقر. ولعل ترهل مؤسسات الحكومة وقيامها بتعيين أكثر من نصف مليون من الموالين للحزبين الحاكمين بوظائف الحكومة ( موظفين بلا دوام ) هو السبب الرئيسي لعدم كفاية ايرادات النفط لتغطية رواتبهم".

ولفت الى ان " الأزمة المالية بسبب توقف بغداد عن تمويل حكومة كردستان أدت الى تراكم ديون خارجية تقدر بمليارات الدولارات على حكومة الإقليم ، وديون داخلية تقدر أيضا بمليارات الدولارات والتي ترتبت عليها بسبب قطع نسبة من رواتب موظفيها تحت مسمى " الادخار " ، بما فيها رواتب سنة كاملة للمتقاعدين ، أضف اليها رواتب أربعة أشهر أخرى من هذا العام عجزت حكومة الإقليم عن دفعها لحد الان".

واضاف "في بداية العام الماضي جاءت مبادرة من حكومة عادل عبدالمهدي بإطلاق 453 مليار دينار لتغطية رواتب موظفي الإقليم ، وهذا المبلغ يشكل رواتب نصف موظفي الإقليم البالغ عددهم المليون والنصف ، فأخذت حكومة الإقليم تعتمد على جزء من الإيرادات النفطية والجمركية لتغطية النقص الحاصل . ومشى الحال .وكانت بغداد تشترط على حكومة الإقليم تسليمها 250 ألف برميل نفط يوميا لضمان إستمرارية الدفع ، لكن حكومة الإقليم ماطلت كثيرا ولم تستسلم لهذا الطلب، وتواصلت المشاكل مع بغداد في ظل عجز حكومة الإقليم عن إيجاد بدائل أخرى لدفع رواتب موظفيها".

واشار الى ان هناك " دعوات تتصاعد يوميا من قبل نواب البرلمان العراقي والقوى السياسية في بغداد لوقف تمويل حكومة الإقليم بسبب إمتناعها عن تسليم الحصة المقررة من نفطها ، وأصبح هناك من يضغط بشدة على رؤساء الحكومة العراقية بهذا الاتجاه. ومع ظهور جائحة كورونا ووصول أسعار النفط الى الحضيض، أخيرا إستسلمت حكومة الإقليم للأمر الواقع ووافقت في الوقت الضائع على تسليم تلك الحصة من النفط الى بغداد، ولكن بعدما وقع الطاس في الرأس كما يقولون . فلا أسعار النفط العالمية تغري حكومة بغداد لقبول هذا التراجع من حكومة الإقليم ، ولا هي مستعدة لتمويل الإقليم من ميزانية الدولة التي أصبحت بدورها خاوية بسبب تدني أسعار النفط العالمية".