في ندوة وكالة فرات ومركز القاهرة للدراسات الكردية: وحدة الشعوب سبيل هزيمة الاحتلال التركي

أتفق عدد من الخبراء العرب والكرد على أن مواجهة مشروع رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان لاحتلال المنطقة واعادة احياء السلطنة العثمانية الزائلة، يستوجب الوحدة بين شعوب المنطقة لمواجهة الغزو العثماني.

وخلال ندوة بعنوان "أدوات التدخل التركي في ليبيا وسوريا والعراق" نظمتها وكالة فرات للأنباء ANF بالتعاون مع مركز القاهرة للدراسات الكردية، قال الدكتور منير أديب إنه الاقتصاد ليس المحرك الأساسي والرئيس لأطماع أردوغان في ليبيا، مؤكدا أنه يسعى من خلال العدوان العسكري في ليبيا بالتعاون مع حكومة الوفاق إلى اعادة احياء مشروعه التوسعي في المنطقة، بالتزامن مع تصعيد عملياته العدوانية وهجمات المرتزقة في شمال سوريا والعراق، واضاف: "هو يخاطب الليبيين بهذا المشروع من خلال الحديث عن الأصول التركية لليبيين، وهو نفس ما يفعله في سوريا من خلال عملاءه".
واوضح أديب الباحث في شؤون الجماعات الارهابية والدينية المتطرفة، إن هناك العديد من الاطراف المتطرفة والمرتزقة في ليبيا يتم دعمها منذ سنوات بشكل مباشر من جانب المخابرات التركية، والتدخل ليس وليد اليوم ولا نتيجة اتفاق السراج-أردوغان، مشددا على أن "خطورة المشروع التركي لا تقل عن المشروع الفارسي والمشروع الاسرائيلي، لأن أي مشروع قائم على العنف هو مشروع خطر واستعماري، والاتراك كانوا يعتبرون أن مصر تابعة للإمبراطورية العثمانية الساقطة وكذلك الحجاز واليمن وشمال أفريقيا، وتتوافق رؤيتهم مع كل جماعات العنف والتطرف التي تتحدث عن عودة الخلافة العثمانية، وعندما تقوم هذه الجماعات بذلك فهي تغازل الملايين من المسلمين على مستوى كوكب الأرض. كما أن هناك توافق تركي إيراني حول إعادة الخلافة العثمانية".
ومن جانبه، أكد السيد عبدالفتاح رئيس مركز القاهرة للدراست الكردية ومدير الجلسة أنه ليس هناك خلاف بين المشروعات الثلاثة، معتبرا أن كان يغازل أردوغان مشاعر المسلمين البسطاء، وهناك علاقات قوية بين أردوغان ومختلف التنظيمات التي شاهدنا أحيانا صدامات بينها، ما جعله يلجأ إلى تلك التنظيمات وإلى الحكومات الهشة العميلة من أجل تطبيق مشروعه.
وبدوره، قال الكاتب والمحلل السياسي الكردي السوري أحمد شيخو إنه لابد أن يكون هناك حركة وتعاون وتفاعل بين شعوب المنطقة العربية والكردية وغيرهم لمواجهة المشروع التركي والفارسي، مضيفا: "كان هناك تحالف ثلاثي بين المشروعات الاسرائيلية والتركية والايرانية عندما كان هناك تماسك للمنطقة العربية قبل نحو 6 أو 7 عقود.
واستعرض الكاتب الجذور التاريخية لمشروع إردوغان، مؤكدا أنه بدأ مع تأسيس الدولة التركية واطلاعها بدورها الوظيفي في تفتيت المنطقة، لكن "سلطة العدالة والتنمية في 2015 على اثر هزيمة داعش وحصول حزب الشعوب الديمقراطي على نسبة في المقاعد البرلمانية اصبح هناك صراع بين العدالة والتنمية وفتح الله غولن الذي كان حليف لأردوغان، واصبح هناك هناك تحالف بين العدالة والتنمية والحركة القومية، فظهر النظام بتعصب ديني وقومي بغيض، وقام بتقليم اظافر الجيش بعد محاولة الانقلاب التي كان لتركيا علم بها وتركتها تسير حتى عام 2016، وبات لأردوغان لأول مرة حكومة تعاني من أزمات شديدة وفي حاجة إلى أن تكون في حالة عداء مع دول المنطقة".
ولفت شيخو إلى إكذوبة "الميثاق الملي"، الذي يتحدث عنه نظام العدالة والتنمية ويدعي به شرعية لبعض أطماعه تجاه الكرد، وقال "وقعه اتاتورك مع رؤساء العشائر الكردية على أساس إنشاء دولة للكرد والاتراك، لكن الاتحاد والترقي تدخل بتأثير يهودي وتم ضم الموصل الى العراق ومناطق شمال سوريا إلى سوريا بالتعاون مع فرنسا وبريطانيا، وحتى في أول دستور تركي كان ينص على أن الدولة لجميع الشعوب، وبعد تغيير الأمور في تركيا عقد الاتحاد والترقي العديد من الامور والتحالفات الدولية، ولكنهم لازالوا ينظروا إلى شمال العراق وشمال سوريا وفق الميثاق الملي ولديه نية لضم مناطق شمال سوريا وشمال العراق إلى تركيا".
وأكد شيخو على دور مصر في مقاومة المشروع التركي، مؤكدا "الحقيقة" التي ذكرها الرئيس المصري في احدى خطاباته بأن الأمة الكردية ستظل باقية، مشيرا إلى خطاب الرئيس عبدالفتاح السيسي وقوله "لا احد يستطيع محو الهوية الكردية" خلال مؤتمر الشباب العالمي نهاية العام الماضي.
ولفت الكاتب السوري، في ندوة مساء الثلاثاء، إلى أن "أخر ممارسات في سوريا لتتريك المنطقة، كان تغيير العملة التركية وفرض اللغة والمؤسسات وضم عفرين إلى لواء اسكندرون وضم المناطق المحتلة أخيلاا إلى ولاية أورفا وغيرها"، واضاف "في شمال سوريا استغلت تركيا الاحداث وتوافد المقاتلين والارهابيين من كل اسقاع العالم وتم ادخل أكثر من 250 ألف مقاتل إرهابي إلى سوريا والعراق، وأغلبية العناصر التي لم تسلم نفسها للقوات الكردية في معركة الباغوز في 2019، هربوا إلى مناطق السيطرة التركية وتم اعادة تأهيلهم وتكوين جيش من الانكشاريين الجدد، فالميليشيات وما يسمى الجيش الوطني السوري انكشاريون جدد، ومنهم 20 الف متواجدون حاليا في ليبيا، وتركيا تسعى بكافة قواتها للسيطرة على شمال العراق وشمال سوريا، وأن تخلق امتدادات لها وحالات شاذة".
وأعتبر أن الدور الوظيفي لتركيا يتعلق بما تقوم به لخدمة أجندة القوى المسيطرة على النظام الدولي وحلف الناتو، فتركيا بإقامتها كانت جزء من تمهيد إقامة إسرائيل في فلسطين المحتلة،وهو ما يتطلب من شعوب المنطقة ومجتمعاتها أن يستدركوا القيم التاريخية الموجودة بين شعوب المنطقة والخطر التركي المحدق بها وفق مسار التاريخ ونماذج التحول التي كانت موجودة خلال 60 او 70 سنة، ويبقى الحل في صد هذه التدخلات هو التلاحم والتكاتف بين شعوب المنطقة، وشدد على ضرورة معرفة أنه المستهدف استنساخ الحالة العراقية والسورية في دول المنطقة مثل ليبيا وغيرها لإبقاء المنطقة في حالة ضعف وهشاشة تسمح باعادة رسمها من جديد وفقا للأطماع العثمانية".
وشدد شيخو على أن "مصر كشعب وحكومة ومنظومة متكاملة ودور بارز لها القدرة على أن تلعب دور في حماية المنطقة من التدخلات الخارجية، لأنه بالأخص كان هناك تصريحات  متوافقة بين القيادة المصرية والاطراف الكردية التي تحارب الاحتلال التركي في شمال سوريا وشمال العراق.. فوحدة الاخوة العرب معا وتعاونهم واتحادهم مع الكرد هو السبيل لمواجهة الاحتلال التركي".
وبدوره، لفت مدير الجلسة إلى أنه "لا يجب أن تترك مصر وحدها للتصدي لتلك المشاريع ولكن الدول التي لديها اوراق قوى في المنطقة يجب عليها فرض نفوذها وكلمتها، وايضا تعاون الشعوب فيما بينها، فهي مشاريع ضد شعوب المنطقة وفي المقدمة منها الشعوب العربية والكردية والتركية أيضا".
وبدوره قال الباحث والاعلامي نبيل نجم، في مداخلة له، إن التدخل العسكري التركي ليس له مسمى آخر غير الاحتلال، مؤكدا وجود "تقاعس عربي شديد"، ساهم في عدم مواجهة الاتراك حتى الأن، واضاف: "المخاطر هي الامبراطورية الفارسية والتركية والاسرائيلية، وهي امبراطوريات وليس مجرد مشاريع سياسية، وفشلنا كأمة عربية في التعامل مع الامبراطورية الصهيونية التي تعلن اليوم عن ضم 60% من الاراضي من المنطقة ج بحسب اتفاقية اوسلو، وايضا يتحدثون عن ضم غور الاردن، واسرائيل تحتل جنوب لبنان وواشنطن تعترف باحتلالها للجولان السوري"، ودعا نجم إلى اعادة ضبط التعريفات والمصطلحات، فهي "ليست مشاريع ولكن امبراطوريات قائمة".
وتابع: "أرفض أيضا مصطلح الاخوان والتنظيمات الاسلامية، والاسلام السياسي ليست اسلام سياسي، هم ليس لهم علاقة بالاسلام ولا بالسياسة، ولابد أن ننتهي من التقاعس العربي، الأمر ليس دور الشعوب فقط، أين قرارات الحكومات، لماذا نترك سفراء الدول العربية إلى اليوم في عواصمنا".

وبدوره، قال الباحث في العلاقات الدولية بهاء الدين عياد، إنه يجب أيضا في سياق ضبط المصطلحات التفرقة بين التمدد العضوي والتمدد الوظيفي، لتركيا، مشيرا إلى أن ما تقوم به في سوريا والعراق هو تمدد عضوي له واقع جيوسياسي واستراتيجي مختلف عن تدخلاتها في شمال أفريقي والقرن الإفريقي والخليج العربي واليمن وغيرها، ومن ثم فإن مواجهة جوهر المشروع التركي يبدأ من سوريا والعراق، ويمتد إلى الصومال وحتى قطر التي نعاني من مشكلات جوهرية معها، إلا أننا نخشى أيضا على مستقبلها واستقلالها ومستقبل بقية الخليج العربي أمام التواطوء بين أردوغان ونظام الحمدين وخضوعه لأنقرة وطهران. وشدد عياد على أنه لا يجب أن نتحدث فقط عن الجذور الاصلية للمشاريع التوسعية ونترك خطواته المقبلة، فليبيا لها ما بعدها، وليست نهاية المطاف في شمال أفريقيا ولا منطقة الساحل والصحراء ذات الاهمية الاستراتيجية، مؤكدا أن المشروع التركي والتمدد التركي سواء كان وظيفيا أو عضويا له نفس الخطورة، بل وأحيانا تقوم تركيا باستغلال تواجدها في امتداد جغرافيا كردستان من أجل أن تؤدي أدوار وظيفية للقوى الكبرى أيضا، وتحقق بذلك مكاسب داخلية وخارجية للتغاضي عن مشروعها الذي لا يختلف أحد في العالم على خطورته، مؤكدا أنه من الخطأ الوقوع في أسر الخلاف بين الأولويات في المنطقة في مواجهة المشروعات واللعب على التناقضات. واشار إلى أن تحركات تركيا في شرق المتوسط حول الغاز، لا تنفصل عن مشروعها العثماني وهو ما تحرص عليه من خلال تسمية سفنها بأسماء السلاطين والقراصنة والبحارة العثمانيين، فضلا عن ان تحركها إلى البحر الأحمر أيضا حاولت ان تخفيه تحت رداء عثماني بتوجهها إلى "ترميم" آثار جزيرة سواكن لإيجاد موطئ قدم عسكري لها في البحر الأحمر.

وقالت الباحثة اسماء الحسيني إن التدخلات التركية في افريقيا لا تنفصل عن تدخلاتها في المنطقة العربية وعدوانها على الشعب الكردي، واشارت إلى أن أردوغان يسعى إلى الهيمنة على القرن الإفريقي ومدخل البحر الاحمر، وأظهرت تحركات أردوغان نحو "جزيرة سواكن السودانية ذلك لكن اطاح باحلامهم سقوط نظام عمر البشير، كما أن ليبيا ستكون منطلق لنحو دول الساحل والصحراء والدول الافريقية التي حاول اردوغان تقديم نفسه إليها بوجه مشرق، من خلال سياسة اعمال الخير والمساعدة الانسانية وانشاء المدارس الدينية مثل مدرسة النجاشي في اثيوبيا، او القيام بأدوار سياسية بتعيين مبعوث خاص في الصومال، وفتح خطوط ورحلات طيران مباشرة لجذب السياحة فضلا عن افتتاح السفارات والقمم التركية الافريقية، والاحتراق من خلال البضائع الرخيصة والقوى الناعمة التركية، وعلاج المسؤولين في الدول الافريقية في اسطنبول التي يسافرون إليها وكأنها كعبة أخرى للدول والقوى المتحالفين معها".
وأكدت أسماء الحسيني إن "كل هذا النفوذ يتم من خلال أموال قطرية، وبه مساس بمصالح مصر المباشرة، وخاصة من خلال استغلال أزمة سد النهضة الإثيوبي، وهناك تقارير كبيرة حول دور تركيا في الاعتراضات والتشدد في موضوع سد النهضة، فضلا عن توجيه الدعم بالاسلحة التركية لأديس أبابا من أجل تشجيعها على التشدد في المسألة".
وبدورها، قالت الكاتبة والباحثة اليمنية فريدة أحمد علوي إن اليمن يتعرض بدوره إلى أطماع تركية غير مسبوقة، في ظل استراتيجية تركية متكاملة تسعى للهيمنة على مدخل البحر الأحمر وخليج عدن ومضيق باب المندب، واشارت إلى الدعم التركي القطري إلى الاخوان والحليف الصومالي بهدف السيطرة على جزيرة سقطري، ودفع مقديشو للمطالبة بها، في مقابل ما يحصل عليه الرئيس الصومالي حليف أنقرة من دعم تركي متواصل، وشددت على خطورة الاطراف التي تدعمها تركيا مؤخرا في اليمن من أجل استمراره في دوامة من العنف والفوضى واقتسام كعكته مع القوى الايرانية الطامعة فيه، كما هو الحال بالنسبة للتنسيق بين طهران وأنقرة في العراق وسوريا وأخيرا في ليبيا.