"الوحش الذي في داخلي".. رحلة أدبية تستلهم سنوات الرعب السوريّة في رواية ملحميّة

‏شهدت القاهرة مساء أمس الأربعاء أمسية ثقافية مصرية-كردية، لمناقشة وتوقيع رواية "الوحش الذي في داخلي" للكاتب الكردي السوري حليم يوسف، المقيم في ألمانيا، حيث شارك بالندوة التي جاءت ضمن مهرجان القاهرة الأدبي لفيف من الكتاب والمفكرين وأصدقاء الشعب الكردي.

"الوحش الذي في داخلي" رواية للكاتب الكردي حليم يوسف كتاب عن الخوف والأمل، وعن الأنظمة التي تحول الإنسان إلى وحش، رواية تستلهم سنوات الرعب السورية في عمل بنفس ملحمي، صدرت في القاهرة وشاركت بمعرض القاهرة الدولي للكتاب في نسخة اليوبيل الذهبي للمعرض، كما كانت محور احدى فعاليات مهرجان القاهرة الأدبي التي تابعتها وكالة فرات للأنباء ANF.

ومن جانبه، أكد الروائي حليم يوسف أن الرواية كانت بمثابة رحلة بحث عن مصدر الوحشية التي عشناها خلال السنوات الأخيرة بسوريا بوجه عام وفي روج آفا بشكل خاص، حيث حاول الكاتب من خلال هذه الرواية البحث عن مصدر تلك الوحشية المفاجئة ومظاهر الذبح والقتل وهدر الدم والاغتصاب والتخريب التي ظهرت خلال السنوات الاخيرة بالبحث عن اجابة حول سبب ظهور هذه الوحشية، ولذلك فكرة الرواية جاءت من هنا، من خلال الحكي عن جيلين هما جيل الاستاذ والتلميذ، اي فترتي حكم "الرئيسين" الأب والأبن، وبعد انتهاء فترة الرئيس الأب يخرج هذا الاستاذ من السجن، ليدخل التلميذ في نفس السجن الذي كان به الاستاذ، ولكن في فترة الرئيس الأبن، فأنا أتحدث عن تجربة السجن في ظل النظام السوري، ثم ظهور الوحشية في كل اطياف المشهد السياسي والجماعات المسلحة والارهابية من جميع الاطراف، لدرجة أن المؤلف نفسه بات يتساءل عن مصير الوحش الذي بداخله.

ودار خلال الندوة نقاشات فكرية عميقة بل وجدل بناء حول تعريف الأدب الكردي وموقع الهوية الثقافية والقومية منه، وسط حوار مطول ومتعدد الأطراف بين الكاتب والحضور حول التأثير المتبادل والتداخل والتفاعل بين الفكر السياسي الكردي بتطور نماذجه ونظرياته وأطروحاته والادب الكردي بألوانه المتعددة، فكانت الجلسة بمثابة دعوة للتفكير والتساؤل بأكثر مما كانت استحضار لإجابات جاهزة أو توزيع رسائل معلبة، ولفت الحديث الانتباه الى الحاجة الماسة لتعزيز التفاعل بين الأدب العربي والكردي وسيما روائيا لما يمثله ذلك من ترجمة الشعور والهم المشترك.

وخلال الندوة، تحدث الروائي عن أنه كان طالبا في كلية الحقوق بجامعة حلب "وفي الفترة الاخيرة تركيا احتلت عفرين ومع الفصائل الارهابية التابعة للدولة التركية لمحت صورة احد اصدقاء سنوات الدراسة الذي كان متحمس لحزب يساري والان اصبح عميل لتركيا يساعدها على احتلال شعبه، لذلك انا عاجز عن تفسير الحالة السورية والتحول الراديكالي المذهل حتى بمحيط الاصدقاء واصبح من المذهل تفسيرها وهذه الرواية حاولت الوصول لهذه الاجابة، وكتبت الرواية وخلصتها ولكن ظلت النهاية مفتوحة ولا اعرف ما قدمته من ملامح الاجابة صحيح ام لا".

ومال الروائي الكردي إلى فكرة حصر الأدب الكردي فيما كتب باللغة الكردية فقط، لأن الأدب العربي هو ما كتب بالعربية، وبالمثل وعلى سبيل المثال أمين معلوف لم يكتب باللغة العربية ولا يمكن اعتبار ما كتبه أدب عربي رغم تناوله لأوضاع المنطقة العربية، وأكد الكاتب ان الرقابة المشددة في سوريا كانت تمنع العديد من الكتب والروايات للمفكرين والروائيين الكرد، مؤكدا ان الكردي السوري منع من تعليم أولاده لغته الأم، ومورس بحقه قمع ثقافي لعقود، وتابع: "أنا بطبيعتي منحاز للإبداع بغض النظر عن اللغة التي سيكتب بها أو تعبيره عن هوية معينة، فالإبداع نفسه هو هوية الكاتب، اما بخصوص سؤال الهوية فإن الأدب الكردي هو ذلك الأدب الذي يكتب بالكردية".

ولفت يوسف إلى أن الحاجة إلى التأكيد على الكتابة باللغة الكردية لأنه هناك حاجة انسانية الى الكتابة بهذه اللغة التي تعرضت للقمع والمنع لسنوات كثيرة، لافتا إلى أنه لا يميل للكتابة بلغة منتشرة فذلك ليس معيارا للإبداع حتى لو كانت اللغة الكردية لا يتحدث بها سوى اهلها، وتابع: "فيما يتعلق بعدد القراء الكرد ورغبة اي كاتب في انتشار كتاباته، اعتبر ان هذا الامر لا يشغلني على المستوى الشخصي، ولم ابحث عن الانتشار، فسؤال الكتابة هو سؤال شخصي وروحي بالنسبة لي وكتبت عن ما كان يحاصرنا كأطفال من ألغاز حول القمع والخوف والمنع، ولذلك عندما كتبت لم أتساءل كثيرا عن اللغة التي سأكتب بها ولكن عن التعبير عن ما عشته، ولذلك ما عشته بالكردية هو ما ظهر في كتاباتي".

واوضح الكاتب ان اصداره لروايات بالعربية لا يعد ترجمة لنسختها الكردية، بل يقوم على اعادة الكتابة حسب خصوصيات اللغة العربية وليس ترجمة نصية لنفس النسخة الكردية.

وعلى الرغم من رفض الكاتب طوال الندوة لفكرة التأثير المباشر للفكر السياسي الكردي على الأدب الكردي، فإنه أكد انه في نهاية المطاف وجد أن المؤسسين الأوائل للرواية الكردية هم سياسيين وبعضهم لجأ للأدب كانعكاس لإحباط سياسي، حيث كان الآباء المؤسسيين للرواية الكردية مثل عرب شمو عضو المكتب السياسي بالحزب الشيوعي الارميني والقيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني في ايران رحيم والاسم الثالث ابراهيم احمد رئيس المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني ثم حزب الاتحاد، وهم جميعهم قيادات حزبية".

وخلال الندوة التي جاءت بمناسبة توقيع الكتاب في القاهرة، أكد المشاركون ان النظام القمعي في سوريا لم يسمح لأي من الكتاب الكرد أو العرب ان يكتبوا بحرية ويعبروا عن آراءهم، واشاروا إلى أن هناك العديد الكتاب العرب الذين نجحوا في تناول القضايا الكردية بشكل مخلص، جنبا إلى جنب مع الكتاب الكرد بطبيعة الحال.

وفيما يتعلق بسؤال القومية أو الهوية في الأدب الكردي، قال الباحث محمد حكيم احد المشاركين في الندوة ان الأدب الكردي لا يزال بحاجة إلى مواكبة التطور في الفكر السياسي الكردي الذي بات يمثل تجديدا للفكرة القومية بمعنى تطبيق مفهوم الأمة الديمقراطية بما يعكس أفكار المفكرين والسياسيين الكرد، ولكن الروائي الكردي حليم يوسف اعتبر ان التأثير المباشر مستبعد بالنسبة لتأثير الفكر السياسي على الأدب الكردي، لأن العلاقة متداخلة بين الفكر والسياسة بدرجة لا يمكن معها تلمس التأثير المباشر للفكر السياسي على الادب، وتابع: "هناك 3 نماذج كبيرة في الساحة السياسية او الاحزاب الكردية الكبيرة التي تتمثل في الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب العمال الكردستاني، هناك تأثير بطبيعة الحال ولكن لا يمكن القول ان هناك ادباء معينين لكل فكر سياسي كردي".

فيما أعتبر الباحث في الشأن الكردي السيد عبدالفتاح ان اختيار اللغة بالنسبة للأديب الكردي يمثل معضلة للبعض، فمظم الكتاب الكرد يتقنون اكثر من لغة، مما يجعل البعض يتسأل عن أهمية اختيار اللغة الاصلية لكتابة الروايات لدى الروائيين الكرد، فيما اعتبر الدكتور محمود زايد المتخصص في الشأن الكردي أننا لازلنا بحاجة لتعريف الأدب الكردي هل هو ما يكتبه المؤلفين الكرد بأي لغة أم ما يكتب بالأساس باللغة الكردية، معتبرا انه من المفيد النظر للأدب الكردي بشكل شامل ليضم ايضا ما يكتبه الروائيون والمؤلفون الكرد بلغات أخرى.

وأشاد أحد المشاركين في الندوة بمهرجان القاهرة الأدبي الذي للمرة الأولى وفر له فرصة الاطلاع على الأدب الكردي الذي يمثل رافدا اساسيا من روافد الأدب العالمي.

وفي ختام الندوة اعرب الكاتب عن شكره للحضور وأكد ان طباعة الرواية في القاهرة والاستضافة في مصر كانت تجربة ثرية.