مختصر مسيرة الثورة الكردستانية (2)

تأسيس حزب العمال الكردستاني كان انبعاثاً جديداً للشعب الكردستاني من تحت الرماد؛ كانت دولة الاحتلال التركي تظن أنها شطبت الشعب الكردي من مسرح التاريخ وتقول أنها طمرت القضية الكردية في "مقبرة خرسانية".

ظهور حزب العمال الكردستاني على مسرح التاريخ

بعد اتخاذ المجموعة الآبوجية لقرار التحول إلى حزب، عقدوا اجتماعاً بمشاركة 22 عضواً في قرية فيس التابعة لناحية ليجه بولاية آمد الكردستانية يوم الاثنين 27 تشرين الثاني 1978، و تُوِجَّ الاجتماع بتأسيس حزب العمال الكردستاني (PKK) حيث اعتبر الاجتماع التأسيسي هو المؤتمر الأول للحزب، وبعد ستة أشهر من تأسيس الحزب تم الإعلان عنه في منتصف عام 1979 بالبدء بالمقاومة المسلحة ضد المتعاونين مع دولة الاحتلال التركي في منطقة سيورك الكردستانية.

مع تأسيس حزب العمال الكردستاني، بدأت مرحلة جديدة في تاريخ الشعب الكردي؛ حيث وضعت النهاية لمرحلة مأساة الانتفاضات الكردية التي لا تعد ولا تحصى، والتي جوبهت بالقُمع من قبل الدولة الاستعمارية، والسنوات البائسة الممتدة من نهاية ثلاثينيات القرن الماضي إلى الستينات منه، والتي تسمى سنوات "صمت الموت"، حيث كانت دولة الاحتلال التركي تقول أنها طمرت القضية الكردية في مقبرة خرسانية وتظن أنها شطبت الشعب الكردي من مسرح التاريخ.

في فترة كانت اللغة والهوية والتقاليد وحتى الملابس الكردية محرمة ومحتقرة، كانت الثورة بقيادة عبد الله أوجلان تعني انبعاث جديد للكرد من تحت الرماد؛ وكان هذا السبب وراء قول مسؤولي دولة الاحتلال "سنقمعها كما قمنا بقمع 28 غيرها سابقاً..! لكن هذه المرة لن يعيد التاريخ نفسه ولن تتكرر المأساة وسيتمكن القائد عبدالله أوجلان ورفاقه من عكس الانحدار التنازلي لمصير الشعب الكردستاني والبدء بالصعود نحو الأعلى والظهور من جديد على مسرح التاريخ.


هجرة صيف 1979

في ذلك الوقت، جربت الدولة التركية كافة الخطط والهجمات من أجل التقليل من حدة الكفاح من أجل الحرية الكردستاني الذي كان يزدهر حديثًا. إن ارتكاب دولة الاحتلال التركي لمجزرة مرعش ما بين 19-26 كانون الأول 1978، أي في الشهر الأول من تأسيس حزب العمال الكردستاني، بدل بكل وضوح على مدى وحشية الدولة والقوى الفاشية.

  مع الإعلان عن تأسيس حزب العمال الكردستاني (PKK)، بدأت مقاومة مسلحة لا هوادة فيها في العديد من المناطق الكردستانية، خاصة في حلوان وسيورك؛ مجموعة صغيرة من كوادر حزب العمال الكردستاني كانت تسمي نفسها "ثوار كردستان" كانوا يزرعون بذور الثورة في تراب كردستان التي بقيت "بوراً" لفترة من الزمن، بالطبع لم تكن دولة الاحتلال التركي تهدأ لحظة واحدة، فقد بدأت سلسلة الاعتقالات وفرض "حكم العسكر" والقانون العسكري في العديد من المناطق الكردستانية.

  نتيجة القراءة الصحيحة والمبكرة للأحداث والتطورات التي أدت إلى الانقلاب العسكري في 12 أيلول 1980، اتخذ قائد الشعب الكردي كغيره من القادة على مر التاريخ، قراراً حاسماً بـ "الهجرة"! انطلاق القائد عبدالله أوجلان يوم الاثنين 2 تموز 1979 من ناحية سروج في شمال كردستان لاجتياز الحدود الاستعمارية الفاصلة بين جزأين من كردستان والوصول إلى مدينة كوباني في غرب كردستان، أسدل الستار على مشهد من مسيرة النضال التحرري الوطني الكردستاني.

فيما بعد ستفتح تلك الرحلة التي استغرقت بضع ساعات، الباب أمام نضال طويل في الشرق الأوسط على خط روج آفا- سوريا ولبنان لمدة 20 عاماً. وقد أشار القائد عبدالله أوجلان فيما بعد إلى كيفية اتخاذه قرار الانفتاح على الشرق الأوسط: "كنت في أورفا حينها وأقول إن أمامي طريقان؛ كنت أحاول اتخاذ قراري النهائي، إما طريق الجنوب والانفتاح على الشرق الأوسط، أو طريق الشمال وهو الطريق الجبلي المؤدي من ديرسم إلى بوطان، حينها فكرت قليلاً في الخيار الثاني وقمت بكتابة ما يقارب الصفحة من التعليمات المتعلقة بهذا الخيار للرفيق محمد قره سونغر الذي استذكره بكل محبة واحترام، قلت فيها "إذا أردنا العيش لا بد من تطوير تجربة الكريلا (حرب العصابات) في المناطق الجبلية، غير ذلك سيكون من الصعب على الحركة البقاء على قدميها".

وعلى هذا الأساس اتخذت الحركة بعض الخطوات، حيث بدأت المقاومة في سيورك وانتشرت إلى بعض المناطق الأخرى على شكل مقاومة قصيرة المدة؛ بعد ذلك وبينما كنت أقول: "أي الطريقين أختار؟ وقع اختياري على طريق الجنوب والانفتاح إلى الشرق الأوسط بعد مرحلة كبيرة من التفكر في اتخاذ القرار".

كانت المهمة الرئيسية التي كان علينا القيام بها في الشرق الأوسط هي الحفاظ على صيرورة النضال واستمراريته وإعاقة إخماده؛ إلى جانب ذلك، كان من لا بد من تطوير كفاح ثوري مسلح يتطلب المزيد من التضحية بالنفس والجهد لإيصال القضية الوطنية في كردستان إلى العالم وكسب الاعتراف بها، ولم نتردد لحظة واحدة في تلبية متطلبات هذا الهدف، العمل على ذلك والامتثال لمتطلبات هذا النضال، المشكلة القومية في كردستان للإنسانية وجعلها مقبولة. لم نتردد ولو للحظة في الامتثال لمتطلباته؛ لأنه مع فاشية 12 أيلول كان قرار دفننا "كأمة كردية" في ظلمات التاريخ قد أُتُخِذْ".

كان الهدف من خروج قائد الشعب الكردي نحو الشرق الأوسط، لضمان أمن كوادر حزب العمال الكردستاني وتأمين ساحة للنضال في الخارج والحصول على الفرصة والإمكانيات لمواصلة تطوير أنشطة وفعاليات الحزب. وبالفعل تحققت توقعات القائد عبدالله أوجلان بعد مرور عام، حيث استيقظت تركيا صبيحة يوم الثاني عشر من أيلول 1980 على اصوات العسكر، وبينما تحولت جغرافية واسعة من تركيا إلى جحيم، استطاع القائد من خلال فتحه بوابة الشرق الأوسط إنقاذ مجموعة صغيرة من كوادر حزب العمال الكردستاني (PKK) من نيران جحيمها.

مقاومة في ظروف استثنائية لا ترحم

الانقلاب العسكري الفاشي الذي أنكر الوجود الكردي اجتاح كردستان مثل الكابوس، وتجلت وحشيتها بأبشع الصور في سجون آمد (دياربكر)، كما يجدر الإشارة إلى اعتقال ثلثي الكوادر في حزب العمال الكردستاني خلال تلك الفترة، وبالتزامن مع الانقلاب العسكري أرادت سلطات الفاشية فرض الاستسلام وكسر الإرادة على الكوادر القيادية والقاعدية من حزب العمال الكردستاني والمتعاطفين معه من خلال ممارسة صور وحشية نادرة من التعذيب الوحشي وإنهاء آمال الشعب.  بناءً على ذلك وإدراكاً منهم، تمكنت الكوادر القيادية في حزب العمال الكردستاني من الصمود والمقاومة وتسطير ملاحم بطولية في التضحية والفداء وتحدي قوى الاستعمار والفاشية في ظل ظروف استثنائية لا ترحم، وتتويج تلك المقاومة والصمود بهزيمة الفاشية في سجن آمد.

في الأيام التي كات تدور فيها معركة الحياة أو الموت في سجن آمد، كان القائد عبد الله أوجلان أيضاً يسعى جاهداً لخلق الإمكانيات وفرض استمرار النضال متنقلاً ما بين سوريا ولبنان في عملية تتشابه كـ"من يحفر بئراً بالإبرة"، وبعد جهود عظيمة ومبادرات مكثفة تمكن القائد من الحصول على فرصة البدء بالتدريبات العسكرية والفعاليات الأيديولوجية في مخيمات الثوار الفلسطينيين في لبنان.

قرار العودة إلى الوطن

رغم كل الصعوبات، نجح القائد عبدالله أوجلان في تعزيز صفوف حزب العمال الكردستاني عسكريا وايديولوجياً بتوقعاته وتحليلاته في الفترة ما بين 1980-1982، كما تم اتخاذ قرار "العودة إلى الوطن" في المؤتمر الثاني لحزب العمال الكردستاني (PKK) الذي عقد عام 1982؛ ثم بدأت التحضيرات لذلك، حيث مع بلوغ عام 1984، كان معظم كوادر حزب العمال الكردستاني (PKK) انتقلوا تدريجياً إلى كردستان، قرار "العودة للوطن" هذا أدخلت كردستان مرحلة جديدة طويلة الأمد.

سجل التاريخ في صفحاته أن الرصاصات الأولى التي قذفتها بنادق وأسلحة مقاتلي حزب العمال الكردستاني (PKK) في منطقتي أروه وشمدينلي، يوم الأربعاء المصادف بتاريخ الخامس عشر من آب 1984، فتحت صفحة جديدة في تاريخ الثورة الكردستانية؛ إلى ذلك الوقت، كانت مجموعات الكريلا تسمي نفسها "وحدات الدعاية المسلحة" تيمناً واستجابة للمقاومة البطولية في سجون آمد والتي بدأتها الكوادر القيادية في حزب العمال الكردستاني في مواجهة الوحشية والفاشية من خلال حملة "صيام الموت" الكبرى في الرابع عشر من تموز 1982، وفي يوم الخامس عشر من آب 1984 أخذت اسماً آخر وهو "قوات تحرير كردستان (HRK)؛ بالرصاصة الأولى التي انطلقت في 15 آب، كان حزب العمال الكردستاني بقيادة عبد الله أوجلان يعلن للعالم أنه بدأ نضال التحرير الوطني الكردستاني.

لا شك أن هذا النضال من شأنه أن يغير المجتمع الكردي أكثر من أي شيء آخر، كما أن منظور حرية المرأة كان من شأنه أن يكسب الشعب الكردي، مكاسب وانجازات كبيرة في المجالات السياسية والعسكرية والاجتماعية، لأن القائد عبدالله أوجلان كان يقول منذ اليوم الأول أن "المجتمع لا يمكن أن يكون حراً دون المرأة الحرة"؛ وبذلك يثبت التاريخ مرة أخرى أنه على حق؛ مع تخلص المرأة الكردية من الذهنية الذكورية التي يسيطر عليها الرجل وتحررها، يتحرر المجتمع الكردي أيضاً؛ لذلك سارعت دولة الاحتلال التركي والقوى العالمية المتعاونة معها، التي تخشى من التغيير الذي يطرأ على المجتمع الكردي، في الربع الأخير من القرن العشرين إلى استهداف قائد الشعب الكردي عبدالله أوجلان؛ كما أن الشعب الكردي بنوا من أجسادهم سوراً من النار ورددوا شعار " لن تظللوا شمسنا"؛ نعم، إنها شمس الشعب الكردي التي أشرقت من أماره، حيث لا يمكن للشعب أن يعيش دون نور الشمس.

 

يتبع………..