البرهان يؤكد من القاهرة عدم إقامة علاقات مع أي دولة تضر بمصر والخليج منقلبا على تحالف البشير-أردوغان

غادر رئيس المجلس الانتقالي السوداني عبدالفتاح البرهان، مساء اليوم السبت القاهرة، بعد لقاءه بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في أول زيارة له خارج البلاد منذ توليه منصبه.

وقال السفير بسام راضي المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، إن الرئيس عبدالفتاح السيسي استقبل بقصر الاتحادية، اليوم السبت، الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس العسكري الانتقالي بالسودان، "حيث تم التوافق علي اولوية دعم الارادة الحرة للشعب السوداني واختياراته"، بحسب المتحدث بأسم الرئاسة المصرية.

وبحث الجانبان التعاون الثنائي بين البلدين، واستعرضا المستجدات على الساحة الإقليمية، بالإضافة إلى بحث ملف سد النهضة والسلام في جنوب السودان، التعاون الأمني ومكافحة الإرهاب، بعد أن جدد البلدان التزامهما بمستوى الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، وقال الرئيس المصري: "إننا كدول جوار للسودان نتطلع لتقديم العون والمؤازرة لشعبه"، وأعتبر السيسي أن الحل سيكون من صنع السودانيين أنفسهم عبر حوار شامل.

من جانبه، قدم رئيس المجلس الانتقالي السوداني شكره لمصر ودول الخليج لمساندتها السودان وشعبه، مشددا على عدم إقامة أية علاقات مع أي دولة تضر بمصالح مصر ودول الخليج العربي .

ونقلت قناة "العربية" عن البرهان قوله أن السودان مستمر ضمن قوات تحالف دعم الشرعية في اليمن ولا نية لانسحابه وأنه يدعم العمليات العسكرية ضد الحوثيين.

إعادة ترتيب تحالفات السودان بالاصطفاف في المحور الخليجي-المصري

وكان نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي الفريق أول محمد حمدان دقلو الملقب بـ"حميدتي" قد قام مساء الخميس بزيارة للسعودية التقى خلالها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، قبل أن يغادرها فجرا، وقالت وكالة الأنباء السعودية (واس) إن الاجتماع بين الأمير محمد بن سلمان والفريق أول محمد حمدان دقلو، عقد في مدينة جدة، على البحر الاحمر، وجرى خلاله بحث التعاون بين البلدين.

وأعلن المجلس العسكري الانتقالي بالسودان يوم الجمعة أن زيارة الفريق حميدتي إلى السعودية جاءت لتأكيد بقاء القوات السودانية في اليمن ولدعم الرياض ضد التهديدات الإيرانية، وذكر المجلس في بيانه أن لقاء حميدتي وبن سلمان جاء بهدف تقديم الشكر للسعودية على "موقفها الداعم للشعب السوداني والمجلس العسكري في هذه المرحلة الدقيقة والحرجة التي تمر بها البلاد".

وشدد البيان أن حميدتي أبدى استعداد السودان للوقوف مع السعودية ضد التهديدات والاعتداءات الإيرانية، مضيفا: "نعلن كامل الاستعداد للدفاع عن أرض الحرمين، والقوات السودانية باقية في السعودية واليمن وستقاتل لهذا الهدف، وستظل حتى تتحقق جميع الأهداف".

ومن جانبه، قال الدكتور هانيء رسلان الخبير المتخصص في الشؤون السودانية لوكالة فرات للأنباء ANF، أن المجلس العسكري الانتقالي اراد بهذه الزيارة والتصريحات الصادرة عن رئيسه بعدم اقامة أي علاقات مع أي دولة تضر بمصالح مصر والخليج، أن يعلن نهاية النهج الذي اتبعه الرئيس المعزول عمر البشير بعرض سياسة بلاده كسلعة يشتريها من يدفع أكثر، والتقلب بين المحاور الاقليمية تبعا لمصالح نظامه الضيقة، حيث كان يحاول ان يحتفظ بعلاقات مع كل الاطراف المصالح المتناقضة في الاقليم، من خلال مشاركته ضمن قوات التحالف العربي بقيادة السعودية، واقامة علاقات وثيقة مع مصر جنبا إلى جنب مع تحالفه القوي المعلن مع النظامين التركي والقطري، مما جعل كل هذه الاطراف تتخلى عنه في نهاية المطاف.

وبدوره، قال أحمد أبوزيد الباحث في إدارة الأزمات والأمن الاقليمي لوكالة فرات للأنباء ANF أن قيام رئيس المجلس العسكري الانتقالي في السودان بأول زيارة خارجية له غلى مصر، يمثل تأكيدا على إدراك أهمية العلاقات المصرية السودانية، في الوقت الذي حاول فيه نظام البشير البائد أن يمنح النظام التركي موطئ قدم على البحر الأحمر، ليهدد مصالح كل من مصر والسعودية، وأشار أبوزيد إلى أن رهان النظام التركي في السودان وليبيا خسر وسقط، لتفشل محاولاته في تطويق مصر عبر دعم الاسلاميين المتطرفين في كل من السودان وليبيا جارتي مصر الجنوبية والغربية. وأعتبر الباحث أن المجلس العسكري الانتقالي يحاول تصحيح مسار السياسة الخارجية المرتبكة التي اتبعها الرئيس البشير من خلال وضوح اكثر في توجهات سياسته الخارجية بما يتناسب مع مصالح السودان مع الدول الحريصة على أمنه واستقراره وعلى رأسها مصر، فأي اضطراب أو فوضى في السودان سوف تتأثر به مصر بصورة مباشرة، وعليه فمصر التي تتولى أيضا رئاسة الاتحاد الافريقي هي الأكثر حرصا على استقرار السودان وأمنه ومرور المرحلة الانتقالية وفقا لإرادة السودانيين أنفسهم، مشيرا إلى أهمية التحرك الذي اتخذته مصر في اطار رئاستها للاتحاد الأفريقي بعقد قمة أفريقية طارئة حول الأوضاع في السودان.

فوجئنا بزيارة البشير للأسد

تقلبات نظام البشير بين مختلف المحاور الاقليمية كانت نقطة جوهرية تؤخذ على سياسة نظامه الخارجية، ومن جانبه، قال الباحث السياسي السوداني طلال إسماعيل في تصريحات عبر الهاتف من الخرطوم لوكالة فرات للأنباء ANF، أن المجلس العسكري السوداني يتبع استراتيجية خارجية تختلف عن سياسة تعدد المحاور التي اتبعها النظام السابق بقيادة الرئيس المعزول عمر البشير، مشيرا إلى انه منذ اليوم الاول أعلن المجلس العسكري الانتقالي اتجاهه وانحيازه لمحور مصر-السعودية- الامارات، متغلبا على اشكاليات تعدد المحاور الاقليمية والخطأ الجسيم الذي وقع فيه النظام السابق وخصوصا في ظل صراع اقليمي يتطلب وضوح المواقف من هذا الاستقطاب الاقليمي، وتابع: "لقد كان النظام السابق مذبذب، ونحن كمتابعين فوجئنا بتحركات عديدة للنظام السوداني كان آخرها زيارة البشير لدمشق ولقاءه بالرئيس السوري بشار الأسد وكانت هذه الزيارة إشارة سالبة جدا فيما يتعلق بالعلاقات مع المحور الذي اختاره المجلس العسكري حاليا".

التوافق مع مصر حول استمرار التشاور ومساندة خيارات وإرادة الشعب السوداني

وبحضور كلٍ من سامح شكري وزير الخارجية المصري واللواء عباس كامل رئيس المخابرات العامة، تم عقد جلسة مباحثات ثنائية منفردة تلتها جلسة مباحثات موسعة.

وصرح السفير بسام راضي، بأن الرئيس المصري رحب بالفريق أول عبد الفتاح البرهان بالقاهرة في أول زيارة خارجية له، مؤكداً أن ذلك يعكس الروابط الأزلية التي تجمع شعبي وادي النيل، والترابط التاريخي بين مصر والسودان، ووحدة المصير والمصلحة المشتركة التي تربط بين الشعبين الشقيقين.

وأشار الرئيس المصري إلى متابعته الحثيثة عن كثب لجميع التطورات والتفاعلات الراهنة على الساحة السودانية، مؤكداً دعم مصر الكامل لأمن واستقرار السودان، ومساندتها للأرادة الحرة ولخيارات الشعب السوداني الشقيق في صياغة مستقبل بلاده، والحفاظ على مؤسسات الدولة، ومعرباً عن استعداد مصر لتقديم كافة سبل الدعم للأشقاء في السودان لتجاوز هذه المرحلة بما يتوافق مع تطلعات الشعب السوداني بعيداً عن التدخلات الخارجية.

من جانبه؛ أكد الفريق أول عبد الفتاح البرهان التقارب الشعبي والحكومي المتأصل بين مصر والسودان، مشيداً بالجهود القائمة للارتقاء بأواصر التعاون المشترك بين البلدين، ومثمناً الدعم المصري غير المحدود لصالح الشعب السوداني وخياراته وللحفاظ على سلامة واستقرار السودان في ظل المنعطف التاريخي الهام الذي يمر به.

كما استعرض رئيس المجلس العسكري الانتقالي تطورات الأوضاع في السودان والجهود المبذولة للتعامل مع المستجدات في هذا الصدد، معرباً في هذا الخصوص عن التقدير للحرص الذي تبديه مصر من اجل دعم الشعب السوداني.

وأعرب السيسي عن ثقته في قدرة الشعب السوداني ومؤسسات الدولة على استعاده الاستقرار وتحقيق الأمن والحفاظ على مقدرات دولة السودان، مؤكداً أهمية تكاتف الجهود الإقليمية والدولية الرامية لمساعدة السودان الشقيق على تحقيق استحقاقات هذه المرحلة ومواجهة الأزمة الاقتصادية لما فيه صالح الشعب السوداني.

كما أكد الرئيس السيسي حرص مصر على مواصلة التعاون مع السودان في كافة الملفات محل الاهتمام المتبادل، والدفع نحو سرعة تنفيذ المشروعات التنموية المشتركة، كالربط الكهربائي وخط السكك الحديدية، بما يحقق الرخاء والتقدم لشعبي البلدين.

وقد تم التوافق بين الجانبين بشأن أستمرار التشاور المكثف بهدف المساهمة في تحقيق استقرار السودان وتفعيل الارادة الحرة للشعب السوداني الشقيق والانحياز لخياراته".

وجاءت زيارة رئيس المجلس العسكري السوداني الأولى من نوعها إلى جارته الشمالية، قبل أيام من إضراب عام دعت إليه قوى الاحتجاجات في السودان، هذا الأسبوع مع التهديد بعصيان مدني، لمطالبة المجلس العسكري بسرعة تسليم السلطة للمدنيين، بعد تعثر عملية التفاوض بين الجانبين على خلفية الخلاف حول تشكيل المجلس السيادي الذي يجمع المدنيين والعسكريين.

وكان الرئيس المصري قد عقد قمة تشاورية حول الأوضاع في السودان بحضور بعض الدول الإفريقية في 23 نيسان/أبريل. وقال السيسي خلال تلك القمة إن الحل في السودان سيكون من صنع السودانيين أنفسهم عبر حوار شامل، مضيفا "نحن كدول جوار للسودان ودول تجمع إيغاد وكشركاء إقليميين، نتطلع لتقديم العون والمؤازرة للشعب السوداني، وصولا إلى تحقيق الاستقرار والرخاء الذي يتطلع إليه ويستحقه".