نيويورك تايمز: "داعش" يستعيد قوته في العراق وسوريا

بعد الهزيمة الساحقة التي تعرض لها التنظيم في سوريا والعراق عاد داعش للظهور من جديد في الشرق الأوسط. 

أكدت صحيفة نيويورك تايمز في تقرير موسع لها أن تنظيم داعش الإرهابي يستجمع قواه ليعود من جديد بعد الهزيمة الكبرى التي مُني بها.
وأوضح التقرير أنه بعد مرور خمسة أشهر منذ الإطاحة بالتنظيم من آخر جيب من أراضيها في سوريا، تستجمع هذه الجماعة الإرهابية قواها الجديدة، فتشن هجمات عصابات في مختلف أنحاء العراق وسوريا، وتُعيد تجهيز شبكاتها المالية وتستهدف المجندين الجدد في معسكر الخيمة الذي تديره التحالفات، كما قال ضباط الجيش والمخابرات الأميركيين والعراقيين.

وتُشير الصحيفة إلى أنه رغم أن الرئيس ترامب أشاد بهزيمة كاملة لتنظيم داعش هذا العام، إلا أن مسؤولي الدفاع في المنطقة يرون الأمور بشكل مختلف، فيعترفون بأن ما تبقى من الجماعة الإرهابية موجود ليبقى.

وقد حذر تقرير حديث للمفتش العام بوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) من أن التخفيض هذا العام من ألفين من القوات الأمريكية في سوريا إلى أقل من نصف ذلك، الذي أمر به ترامب، يعني أن الجيش الأمريكي اضطر إلى خفض الدعم المقدم للقوات السورية الشريكة التي تقاتل تنظيم داعش (قوات سوريا الديمقراطية). 

ويرى التقرير أنه في الوقت الراهن، لا يسع القوات الأمريكية والدولية إلا أن تحاول ضمان بقاء تنظيم الدولة الإسلامية محصوراً وبعيداً عن المناطق الحضرية.

وعلى الرغم من عدم وجود قلق يذكر من أن التنظيم الإرهابي سيستعيد أراضيه الطبيعية السابقة، الخلافة التي كانت ذات يوم بحجم بريطانيا وسيطرت على حياة ما يصل إلى 12 مليون شخص، فإن الجماعة الإرهابية ما زالت تحشد ما يصل إلى 18 ألف من المقاتلين المتبقين في العراق وسوريا. ونفذت هذه الخلايا النائمة وفرق الهجوم هجمات قناصة وكمائن وعمليات اختطاف واغتيالات ضد قوات الأمن وقادة المجتمعات المحلية.

ويرى التقرير أنه لا يزال بوسع التنظيم الإرهابي أن يستفيد من أموال خزينة الحرب وهو ضخم يصل إلى 400 مليون دولار، والذي كان مخبئاً إما في العراق وسوريا أو يهرب إلى البلدان المجاورة لحفظه. ويُعتقد أيضا أنها استثمرت في أعمال تجارية، بما في ذلك تربية الأسماك، وتجارة السيارات، وزراعة القنب. ويستخدم تنظيم داعش الابتزاز لتمويل العمليات السرية: فالمزارعون في شمال العراق الذين يرفضون الدفع أحرقوا محاصيلهم بالكامل.

ويعبر التقرير عن تخوفات لعدم وجود خطة جاهزة للتعامل مع 70 ألف شخص محتجزين في مخيمات شمال شرق سوريا بما فيهم أسر مقاتلي التنظيم وبعض أعضائه، لافتاً إلى أنه على مدى الأشهر العديدة الماضية، اقتحم التنظيم المعسكرات مترامية الأطراف في شمال شرق سوريا.

وتنقل الصحيفة عن مسؤولين في المخابرات الأمريكية قولهم إن مخيم الهول الذي يديره حلفاء كرد سوريون بقليل من العون أو الأمن، يتطور ليصبح مرتعا لإيديولوجية تنظيم الدولة الإسلامية ومرتعا خصبا للإرهابيين في المستقبل. 
ولفتت الصحيفة إلى أن قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة تحتجز أكثر من 10 آلاف من مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية، بما في ذلك ألفي أجنبي، في سجون مؤقتة منفصلة.

وقال تقرير المفتش العام، الذي أعد للبنتاغون ووزارة الخارجية ووكالة التنمية الدولية التابعة للولايات المتحدة،: "إن عدم قدرة الكرد السوريين على توفير أكثر من الحد الأدنى من الأمن في المخيم سمح للظروف بنشر إيديولوجية تنظيم داعش هناك". وقالت القيادة العسكرية المركزية لمُقدمي التقرير إنه "من المرجح أن يستغل التنظيم انعدام الأمن لتجنيد أعضاء جدد وإعادة إشراك الأعضاء الذين غادروا ساحة المعركة".

وأشارت الصحيفة إلى تقييم أجرته الأمم المتحدة مؤخراً توصل إلى نفس النتيجة، فقال إن أفراد الأسر الذين يعيشون في الهول "قد يشكلون تهديداً إذا لم يتم التعامل معهم على النحو اللائق".

وهذه الاتجاهات، التي وصفها مسؤولون عراقيون وأمريكيون وغيرهم من المسؤولين العسكريين والاستخبارات الغربية، والتي تم توثيقها في سلسلة حديثة من تقييمات الحكومة والأمم المتحدة، تصور تنظيم الدولة الإسلامية في صعود جديد، ليس في العراق وسوريا فحسب، بل في فروع من غرب أفريقيا إلى سيناء. وتشكل هذه العودة إلى الظهور تهديداً للمصالح الأميركية وحلفائها، في حين تسحب إدارة ترامب القوات الأميركية في سوريا وتحول تركيزها في الشرق الأوسط إلى مواجهة تلوح في الأفق مع إيران.

وقالت سوزان راين، الرئيسة السابقة لمركز التحليل المشترك للإرهاب في بريطانيا، في مقابلة هذا الشهر مع مركز ويست بوينت لمكافحة الإرهاب: إنه "مهما كان ضعف داعش الآن، فإنه لا يزال حركة عالمية حقاً، ونحن ضعفاء عالمياً. لا شيء يجب أن يفاجئنا حول ما سيحدث تالياً".
ومن بين المؤشرات المهمة التي تشير إلى عودة تنظيم داعش إلى الظهور، وفقاً للتقرير فهي كمية الذخيرة التي أسقطتها الطائرات الأميركية في العراق وسوريا في الأشهر الأخيرة. ففي حزيران/يونيه، ألقت الطائرات الحربية الأمريكية 135 قنبلة وصاروخاً، أي أكثر من ضعف ما كانت تملكه في أيار/مايو، وفقا لبيانات القوات الجوية.

ويقول مسؤولو الدفاع في المنطقة إن تنظيم داعش يترسخ الآن في المناطق الريفية في أغلبها، ويقاتل في صفوف عناصر صغيرة تتألف من نحو اثني عشر مقاتلاً ويستغل الحدود السهلة الاختراق بين العراق وسوريا، إلى جانب الحدود غير الرسمية بين كردستان العراقية وبقية البلاد، حيث تنتشر قوات الأمن وتتنازع المسؤوليات عن السلامة العامة في بعض الأحيان.

وبالنسبة للعراقيين في المناطق الشمالية والغربية حيث كان التنظيم الإرهابي نشيطاً في الماضي، فإن الشعور بالتهديد لم يختف قط، حيث تباطأت الهجمات ولكنها لم تتوقف قط. وفي الأشهر الستة الأولى فقط من هذا العام، وقع 139 هجوماً في تلك المحافظات -نينوى وصلاح الدين وكركوك وديالى والأنبار -وقتل 274 شخصاً. وكان معظم القتلى من المدنيين، ولكنهم شملوا أيضا قوات الأمن العراقية وقوات التعبئة الشعبية، وفقا لتقارير قوات الأمن العراقية والمدنيين الذين جمعتهم الصحيفة.

وفي أوائل آب/أغسطس، وقع حادث وحشي بشكل خاص من النوع الذي لم يسبق له مثيل منذ أن كان تنظيم داعش مسيطراً على أراض في شمال العراق، عندما قام مسلحون يدعون الولاء لتنظيم الدولة الإسلامية بقطع رأس شرطي علناً في قرية ريفية تقع جنوب مدينة سامراء في محافظة صلاح الدين، حوالي ساعتين شمال بغداد.

وشهدت المنطقة هجمات متكررة على مدى السنتين الماضيتين، وتلقى أفراد الشرطة الذين كانوا يعيشون في القرية إنذارات بترك عملهم. وكان معظمهم، مثل علاء أمين محمد المجمي، الضابط مقطوع الرأس، يعملون لدى قوات الأمن بسبب قلة الوظائف غير الزراعة، وهي أعمال موسمية، وأعمال البناء العرضية.

وقد اختُطف (علاء أمين) في الليل عندما ذهب هو وأخوه سعيد للاطمئنان على أرض عمهما بعد العمل، وفقاً لروايات سجد وأفراد آخرين من الأسرة. وأمسك خمسة رجال مسلحين -بعضهم ملثمون -بالإخوة، وأخذوهم إلى مزرعة فارغة واستجوبوهم حتى صلاة الفجر.

ثم قالوا إنهم سيطلقون سراح ساجد، ولكنهم أمروه "بإخبار الناس بترك وظائفهم في قوات الشرطة". قطعوا رأس علاء أمين تاركين جثته على أرض عمه.

وقال الرائد زوبا المجماي، مدير كتيبة الطوارئ العراقية في المنطقة الواقعة جنوب سامراء، إنه أصبح العضو الـ 170 في القوة التي كان من المقرر أن يقتلها مهاجمو التنظيم في المنطقة.
ولفتت الصحيفة أيضا إلى أنه في هذا الشهر، قُتل رقيب المدفعية سكوت أ. كوبنهافير البالغ من العمر 35 عاماً أثناء عملية شنتها القوات المحلية في شمال العراق. وكثيرا ما يقاتل المهاجمون البحريون، وهم من القوات الخاصة، جنبا إلى جنب مع البشمركة الكردية، أو قوات العمليات الخاصة العراقية، عند نشرهم في العراق.

وكان موته بمثابة أول قتيل أمريكي في القتال في العراق هذا العام. وفي كانون الثاني/يناير، قُتل أربعة أمريكيين في تفجير انتحاري في منبج، بسوريا.

وأكدت الصحيفة أن تقارير مثل هذه تملأ عِدة تقييمات جديدة واقعية لقدرة تنظيم الدولة الإسلامية على الصمود والقوة. وفي تقرير صادر في تموز/يوليه عن محللي الأمم المتحدة في لجنة مكافحة الإرهاب التابعة لمجلس الأمن، قال إن قادة تنظيم الدولة الإسلامية، على الرغم من الهزيمة العسكرية التي لحقت بهم في سوريا والعراق، "يتأقلمون ويوطدون ويهيئون الظروف لعودة الظهور في نهاية المطاف" في هذين البلدين.
وخلص تقرير المفتش العام الجديد الذي يقيّم أنشطة التنظيم الإرهابي من نيسان/أبريل إلى حزيران/يونيه إلى أن الجماعة "عادت إلى الظهور في سوريا" وأنها "عززت قدرات المتمردين في العراق".

وتتعجب الصحيفة من أنه رغم هذه التقارير، استمر الرئيس الأمريكي ترامب في ادعاء الفضل في إلحاق الهزيمة الكاملة بالتنظيم، وهو ما يتناقض مع التحذيرات المتكررة من مخابراته ومسؤولي مكافحة الإرهاب بأنه لا يزال قوة فتاكة.
وقال ترامب الشهر الماضي: "لقد قمنا بعمل رائع". "قضينا على الخلافة 100%، ونحن ننسحب بسرعة من سوريا. سنخرج من هناك قريباً جداً وندعهم يعالجون مشاكلهم الخاصة وبوسع سوريا أن تتعامل مع مشاكلها الخاصة ــ إلى جانب إيران، وروسيا، والعراق، وتركيا". 

وتلفت الصحيفة إلى أنه بعد سقوط باخوز، آخر معاقل التنظيم الإرهابي في سوريا بالقرب من الحدود العراقية، انتشر ما تبقى من مقاتلي هذه الجماعة في مختلف أنحاء المنطقة، فبدأ ما يقول المسؤولون الأميركيون الآن بأنه تمرد دائم. وقال المسؤولون إن التنظيم مُجهز تجهيزا جيدا، على الرغم من أن قيادته مجزأة في معظمها، مما يترك معظم الخلايا دون توجيه من كبار القادة. 

وتقول الصحيفة إن تغيير التنظيم الإرهابي في تكتيكاته أجبر الأميركيين وغيرهم من القوات الدولية على تغيير تكتيكاتهم، الأمر الذي يضمن لهم القدرة على خوض حملة على غرار حرب العصابات ضد المتمردين الذين يحاربون بين السكان المحليين ويختفون بينهم.

وقد شن الجيش العراقي وقوات مكافحة الإرهاب التابعة له حملات متعددة ضد التنظيم تركز في المقام الأول على المثلث الذي تلتقي فيه محافظات كركوك ونينوى وصلاح الدين في منطقة صخرية.

وحول الوضع في سوريا بالنسبة للتنظيم يقول التقرير إنه رغم حضور مقاتلي التنظيم، فإن وتيرة العمليات في سوريا هبطت إلى حد كبير. فجنود القوات الخاصة التابعة للجيش، إلى جانب القوات التقليدية، كثيراً ما يجلسون في مواقعهم الأمامية لفترات طويلة من الزمن، ولا يطاردون أحيانا من حين لآخر مقاتلي التنظيم ذوي الرتب الدنيا المختبئين في القرى المجاورة، وفقا لما ذكره أحد مسؤولي الدفاع الذي عاد مؤخرا من سوريا.

وقال المسؤول إن أحد أكبر التحديات هو النقل المستمر للقوات الأمريكية من سوريا وإليها في محاولة للحفاظ على الوجود العام للقوات في النشر الرسمي للجيش الذي يقل قليلا عن ألف جندي. وفي بعض الأحيان، كما قال المسؤول، يتم جلب القوات إلى البلد لمهام محددة ثم يتم إرسالها.

وقال كولن ب. كلارك، زميل كبير في مركز سوفان، وهو منظمة بحثية لقضايا الأمن العالمي ومؤلف دراسة جديدة أجرتها مؤسسة راند عن تمويل تنظيم داعش: "وبالاقتران مع التخفيض التدريجي للولايات المتحدة، فإنه يضع الشروط لتنظيم داعش لاستعادة جيوب من الأراضي وإكراه السكان المحليين".