دراسة للجامعة الأمريكية بالقاهرة: أسطورة أردوغان تحطمت على ضفاف النيل

أكدت دراسة صادرة عن الجامعة الأمريكية هزيمة مشروع أردوغان التوسعي في المنطقة "على ضفاف النيل" في إشارة إلى تحطم "العثمانية الجديدة" برحيل الإخوان عن السلطة في مصر وسقوط نظام الرئيس السوداني عمر البشير.

وفي عددها الجديد، أكدت دراسة بدورية "كايرو ريفيو للشئون الدولية"، الصادرة كلية الشئون الدولية والسياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، أنه على الرغم مما بذلته تركيا، ومن وراءها قطر بالأموال، من تحركات دبلوماسية نشطة وسياسة خارجية إمبريالية جديدة، فإن مشروع أردوغان في المنطقة سقط، وباتت تركيا غارقة في أزماتها الداخلية وخاصة منذ العام 2013 الذي شهد سقوط الإخوان في مصر و احتجاجات منتزه غيزي بتركيا.

أكثر الزعماء دكتاتورية على مدار تاريخ تركيا

وأجابت الدراسة التي اعدها سونر چاغاپتاي منصب مدير برنامج الأبحاث التركية بمعهد واشنطن عن سؤال: "كيف تحول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من زعيم إسلامي إقليمي في الربيع العربي إلى رجل غريب في الشرق الأوسط؟"، لتوضح إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يعتبر من أكثر الزعماء دكتاتورية على مدار تاريخ تركيا، بعد أن انفصل تدريجياً عن نموذج كمال أتاتورك للسياسة الخارجية، وتبنى سياسة نشطة واصبح "إمبريالي جديد"، وقام بتوجيه تركيا إلى استهداف الشرق الأوسط لبناء نفوذ له على حساب مصالح المنطقة، بعد أن كان يعتقد أردوغان أن سياسته الخارجية تجاه المنطقة، والتي كان يطلق عليها العثمانية الجديدة، يمكن أن تنهض بتركيا كقوة عظمى.

وأوضحت الدراسة كيف عزز أردوغان سلطته من خلال تحالفه مع خصمه الحالي فتح الله غولن ثم إنقلب عليه، حيث اعتمد على تقويض إرث أتاتورك العلماني في البلاد، ومن خلال المحاكمات بين عامي 2008 و 2011، سجن ربع الجنرالات بمساعدة النيابة العامة والشرطة التي كانت متحالفة مع حركة غولن، ثم في صيف عام 2011، استقال كبار ضباط الجيش التركي بشكل جماعي، بعد أن كان قد أجرى أردوغان استفتاء بمساعدة حركة غولن، ليتمكن من صلاحية تعيين غالبية القضاة في المحاكم العليا في البلاد دون مراجعة.

ومنذ عام 2013، قام أردوغان وقيادات حزب العدالة والتنمية بإعادة حساب سياساتهما الداخلية والخارجية بعناية للتعامل مع القضايا الملحة في الداخل والخارج، حيث ترك انعكاس احتجاجات غيزي بارك وعزل مرسي في مصر أثراً دائماً على قيادة أردوغان في تركيا، واستمر في قمع الاحتجاجات والمعارضة منذ عام 2013، ووحتى يومنا هذا، بحسب الدراسة.

الرهان الخاسر على مرسي

أستغل أردوغان رئيس الوزراء التركي آنذاك إنتفاضات الربيع العربي ليبحث عن موطئ قدم في مصر، وأوضحت الدراسة أن أردوغان وضع كل رهاناته على القيادي الاخواني محمد مرسي، حيث أعتبره حليف سياسي إسلامي وقيادي بجماعة الإخوان وكان مرشح للرئاسة في مصر، "وبعد ذلك، حصل أردوغان على نفوذ كبير في القاهرة بعد وصول مرسي إلى السلطة في مصر في يونيو 2012، ومع ذلك، وفي أعقاب عزل مرسي في صيف عام 2013، فقد أردوغان مكاسبه المصرية بالكامل تقريبًا بين عشية وضحاها".

وأشارت الدراسة إلى تداعيات سقوط مرسي كان لها أصداء على التطورات الداخلية في تركيا، واضافت: "من الغريب أن أحداث الربيع العربي، وبالتحديد إقالة مرسي من خلال حركة احتجاج شعبية دعمها الجيش، قد تردد صداها بقوة في السياسة الداخلية التركية من خلال تشكيل تفكير أردوغان تجاه معارضيه، فسرعان ما أشتعلت الانتفاضة الشعبية في إسطنبول ضد تدمير حديقة تاريخية من قبل حكومة أردوغان، وهي غيزي بارك في عام 2013، حيث اصبحت مصدرًا للتعبئة الجماهيرية ضد أردوغان، ولا يزال أردوغان يخشى أن تتم الاطاحة به هو الآخر عن طريق تحرك للجيش"، وأشارت إلى أنه كان يقوم بتحييد القوات المسلحة التركية، لأن أردوغان يعيش مع خوف دائم من أن يعود الجيش التركي إلى السياسة، وبدا أن أسوأ كابوس له أصبح حقيقة، كما يراها، تماماً كما كان مع مرسي عندما بدأ يفقد قوته من خلال الاحتجاجات الشعبية التي دعمها الجيش المصري، وخشي أردوغان أن ما حدث لمرسي كان على وشك أن يحدث له، وقام بقمع المسيرات بعنف.

وتابعت المجلة: "زار أردوغان القاهرة للمرة الثانية بعد 2011 في خريف 2012، مع وفد كبير من حكومته، وألقى كلمة في جامعة القاهرة مشيدا بمرسي لقراره سحب سفير مصر في إسرائيل ردا على الغارات الجوية الإسرائيلية على غزة.. وأشاد أردوغان بالشباب المصريين لإسقاطهم ديكتاتورية مبارك وأعلن أن مصر وتركيا متحدتان، ولكن طموحات أردوغان لإقامة شراكة استراتيجية مع مصر تلاشت مع بدء سيطرة مرسي على الحكم، حيث بدأ مرسي في الاستيلاء على السلطة سريعا، ومنح نفسه سيطرة قضائية على أي محكمة مصرية وانطلق من خلال دستور جديد صاغه الإخوان، ثم بدأت مظاهرات مناهضة لمرسي ومعارضة للإخوان وانهارت محاولات إجراء حوار بين مرسي ومختلف أحزاب المعارضة، وبحلول ربيع عام 2013، ظهرت حركة تمرد المناهضة لمرسي، وبدأت في تنظيم احتجاجات جماهيرية كانت مقررة في 30 يونيو، ومع اقتراب احتجاجات 30 يونيو، أرسل أردوغان رئيس المخابرات التركية، هاكان فيدان، لزيارة مرسي، وأشارت التقارير اللاحقة في كل من وسائل الإعلام المصرية والتركية إلى أن مهمة فيدان هي تحذير مرسي من حدوث انقلاب وشيك وربما مناقشة كيفية تجنبه، وخرج الملايين من المصريين إلى الشوارع في 30 يونيو، للاحتجاج على استيلاء الإخوان على السلطة وفشل الجماعة في معالجة المشاكل الاقتصادية والأمنية المستمرة".

تركيا المعزولة

توقفت تطلعات أردوغان الكبرى، وهي العثمانية الجديدة، وأحلامه لتشكيل الشرق الأوسط من إسطنبول، واليوم أصبحت أنقرة معزولة تقريباً عن الشرق الأوسط، باستثناء قطر، وليس لتركيا أصدقاء أو حلفاء في المنطقة، حيث لفتت الدراسة إلى المفارقة بين تحولت تركيا من طموحها لكي تصبح دولة رائدة محتملة في المنطقة إلى الانخراط في مشاكلها الداخلية،

وقالت الدراسة أنه في القرن الأفريقي، تعاونت الدوحة وأنقرة لتوطيد النفوذ في الصومال في عام 2011 ثم في السودان. وفي هذا التحالف، وفرت أنقرة القوى على الأرض بينما توفر الدوحة الاستثمارات، وذلك بفضل أموال قطر الطائلة. وبناءً على ذلك، استثمر البلدان بكثافة في دعم قطاعات مختلفة في الحكومة والسيطرة على الموانئ، وكذلك بناء منشآت عسكرية. تتركز هذه الاستثمارات في الصومال في عاصمة مقديشو. وفي السودان ، شرعت تركيا في بناء ميناء في سواكن على ساحل البحر الأحمر، حيث تحاول أنقرة حرفيًا إعادة الحياة إلى ميناء عثماني مهجور. هذا الوجود محدود لكن لم يكن خافيا أحد من اللاعبين الإقليميين. ومع ذلك، لم يتبين بعد ما إذا كان تأثير تركيا وقطرها في السودان سيظل على حاله بعد سقوط عمر البشير في الخرطوم. لقد اعترفت مصر وحلفاؤها بالفعل بحكومة ما بعد البشير في الخرطوم، مما قد يقوض محور الدوحة وأنقرة هناك.

وقالت الدراسة إنه على الرغم من تحسن علاقات تركيا بالخليج في بداية عهد الملك سلمان، إلا أنها خسرت تلك العلاقات بعد أن انحازت تركيا لقطر ولا تزال خلال أزمة المقاطعة، ثم استخدم أردوغان حادث مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي من أجل مصلحته، حيث سرب ببطء أدلة إلى وسائل الإعلام. قالت الدراسة أن الحلفاء المنتصرون وهم السيسي ومحمد بن سلمان ومحمد بن زايد، قوضوا سياسته الإقلميية، وتركوا الزعيم التركي وحيدا في الشرق الأوسط، وليس أمامه سوى قطر وإيران.

عنصرية تجاه العرب

"من سخرية القدر، يبدو أن محور أردوغان في الشرق الأوسط، والذي كان يهدف إلى التراجع عن وجهات نظر الأتراك العنصرية تجاه العرب، لم يفشل فقط في تجاوز مثل هذه التحيزات، ولكنه شجع أيضًا جيلًا جديدًا من التصورات السلبية للأسف والتوترات مع العرب"، هكذا لخصت الدراسة النظرة العنصرية التركية إزاء الشعوب العربية كما عززها أردوغان.

وكمثال على ذلك، اشارت الدراسة الى الحرب الكلامية التي وقعت بين أردوغان ووزير الدولة الاماراتي للشؤون الخارجية الذي اتهم احد العثمانيين بسرقة كنوز من الجزيرة العربية خلال حملة عسكرية، وقالت: "النزاع الأخير الأهم بين تركيا والإمارات العربية المتحدة في ديسمبر 2017، شارك وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان منشور على موقع تويتر تتهم فريد الدين باشا، الجنرال العثماني الذي حارب في المدينة المنورة خلال الثورة العربية عام 1916 في الحرب العالمية الأولى، بسرقة التحف التي لا تقدر بثمن ونقلهم إلى اسطنبول في ذلك الوقت. وخلصت تغريدة إلى القول: "هؤلاء هم أجداد أردوغان، وتاريخهم مع المسلمين العرب". حيث اعتبرت الإمارات بذلك أن تركيا قوة أجنبية تسعى إلى فرض تفوقها على العرب.

وردّ أردوغان على الإهانة، فأجاب على الوزير الإماراتي قائلاً: "بينما كان أجدادي مشغولين بالدفاع عن المدينة المنورة، ماذا كان يفعل أجدادك؟" لتحريض الأتراك والعرب ضد بعضهم البعض، حيث انطلقت الصحافة التركية الموالية لأردوغان بقصص ومقالات افتتاحية تمجيد فهد الدين باشا وإثارة غضب الإمارات العربية المتحدة لإهانتها شخصيته.