بايك: 15 آب ثورة الإيديولوجيّة والفلسفة والسياسة

أكّد الرئيس المشترك للمجلس القيادي لمنظومة المجتمع الكردستاني KCK, جميل بايك على أنّ ثورة 15 آب, التي بدأت في جبال كردستان العام 1984 لم تكن ثورة عسكريّة فحسب, بل "حملت معها مفاهيم إيديولوجيّة, فلسفيّة وسياسيّة" وأنتجت فكراً مناهضاً للفاشيّة.

جاءت تصريحات بايك في حديثه لراديو "Dengê Welat", حيث هنّأ فيها الذكرى السنويّة الخامسة والثلاثين لثورة 15 آب  "القائد أوجلان, مقاتلي الحرّية ممنّ يقاومون داخل السجون والمعتقلات ومن لا يزال يقاتل في الجبال وعلى جميع شهداء حركة حرّية كردستان", حيث وصفها بثورة "الحياة والتجدّد" معاهداً بالمضيّ على درب الثورة حتّى تحقيق الحرّية للشعب الكردي الذي "إمّا أن ينهض من تحت الرماد ويؤسّس حياته الحرّة الكريمة ويحدّد مصيره بإرادته, أو أنّ مصيره سيكون الزوال.. وهذا ما لن نسمح به".

وشرح بايك مطوّلاً كيف أنّ ثورة 15 آب أسّست لمرحلة جديدة من النضال في تاريخ الشعب الكردي, حيث "تعرّض الكرد لمئات المجازر التي هدفت إلى انهاء وجودهم, وظلّ يرزح تحت سلطة أنظمة فاشية دكتاتوريّة عملت أعواماً طويلة على مسح هويّته الثقافيّة. وجاءت ثورة 15 آب لتكون سدّاً منيعاً أمام كلّ تلك المحاولات, حيث اختلفت عن ثورات سابقة قام بها الشعب الكردي التي تعرّضت للانكسار والخيانة كثيراً, لكنّ ثورتنا أثبتت أنّها ثورة الشعب لأنّها حملت أفكاراً إيديولوجيّة فلسفيّة لبّت طموحات الكرديّ الثائر في وجه الأنظمة المغتصبة لجغرافيّة كردستان".

وتابع "لطالما رفض القائد أوجلان الواقع الذي كان يعيشه الشعب الكردي. وحدّد أهداف نضاله في تحقيق السبل الكافية لأن يعيش الكرد حياة حرّة كريمة, ولأجل هذا الهدف النبيل, وضع كافة امكانيّاته الفكريّة والفلسفيّة في خدمة قضيّة شعبه. ونحن نعرف جميعاً حقيقة أنّ الدولة التركيّة لم تؤسّس من قبل الأتراك وحدهم, بل ساهم في بنائها الكرد أيضاً وأسّس الشعبان معاً البرلمان, وبقى الوضع كذلك حتّى العام 1924, حينما عقدت الدولة التركيّة ’اتّفاق أنقرة’ مع فرنسا ومن ثمّ اتّفقت مع بريطانيا على وضع ’الموصل’, منذ ذلك الوقت, بدأت الدولة التركيّة بسياسة الإنكار بحقّ الشعب الكردي وصرّحت بأنّ هذه الدولة هي للأتراك وحدهم وعملت دوماً على إبعاد الكرد بل ومارست بحقّهم أبشع السياسات.. والنتيجة نراها اليوم, حرب مفتوحة ضدّ الكرد".

وأوضح بايك أنّ الشعب الكردي وقف في وجه مساعي الدولة التركيّة الرامية لانهاء وجوده وقام بالعديد من الثورات "لكن لم يكتب لها النجاح لأسباب تاريخيّة عدّة.. لكن حينما بدأ حزب العمّال الكردستاني بثورة 15 آب والتي اعتبرها الحزب امتداداً للثورات السابقة, تغيّر المنحى النضالي للكرد, وأيقظت لديهم روح الحياة وأشعلت في نفوس الشباب الكرد الحماس لمجابهة السياسات الفاشية التي سعت ولا تزال تسعى إلى القضاء عليه".

وبيّن القياديّ في حزب العمّال الكردستاني أنّ الماضلون الكرد "أبدوا مقاومة كبيرة داخل سجن آمد, والتي كانت الشرارة الأولى لانطلاق ثورة 15 آب. ذلك السجن الذي أرادت الفاشية التركيّة أن تحوّله إلى مقبرة لأولئك المناضلين, لكنّ مقاومة مظلوم, خيري, عاكف, فرهاد, كمال وغيرهم كانت ردّاً على محاولات السلطات في القضاء على روح النضال لدى الشعب الكردي.. قاوم كلّ أولئك الأبطال بإمكانات ضئيلة, فقط كانوا يملكون أرواحهم وأفكارهم, لكنّها كانت كافية أن تجابه ذهنيّة الدولة التركيّة آنذاك وباتت ملهماً لعموم الشعب الكردي في الكفاح ضدّ الظلم ومجابهته".

"حينما قال القيادي الكرديّ مظلوم ’يجب أن يصل صوتنا للعالم أجمع’, فهم القائد أوجلان المغزى من هذه المقولة واتّخذها أساساً في نضاله, وبدأ معها مرحلة تاريخيّة في النضال في عموم الشرق الأوسط. كانت مقاومة سجن آمد الشرارة التي ألهمت القيادة بإعلان ثورة 15 آب, هذه الثورة غيّرت واقع كردستان والشعب الكردي, بل تعدّت هذه الجغرافيا لتصل إلى جميع أرجاء الشرق الأوسط".

وأِشار بايك إلى أنّ "رفيق دربنا القيادي عكيد استلهم نضاله من واقع تلك المرحلة, واتّخذ من نداء مظلوم والقيادة أساساً لأن يكون هو قائد المرحلة العسكريّة في 15 آب, فهو من أطلق الرصاصة الأولى, لذا فإنّ ذكرى ثورة 15 آب مرتبطة دوماً باسم عكيد, تماماً كيف ارتبط اسم حزب العمّال الكردستاني باسم حقّي قرار, لا أحد بإمكانه أن يفصلهما عن بعض.. وهكذا انتشرت ثورة 15 آب لتعمّ جبال كردستان, مدنها وقراها, انتشرت بين الشعب وتمكّنت من كسب تأييد جماهيريّ واسع من جميع شرائح المجتمع, أستطيع القول بأنّ 15 آب هي ثورة الشعب الكردي وكانت خير ردّ على المحاولات التي كانت تقوم بها الدولة التركيّة في استعباد الكرد, ولا تزال تحاول ذلك في يومنا هذا".

ولفت إلى الدعم الذي قدّمه حلف شمال الأطلسي (ناتو) للدولة التركيّة في حربها ضدّ الشعب الكردي, مضيفاً "كلّما تلقّت تركيا الدعم من الناتو, كلّما وسّعت دائرة حربها على الشعب الكردي. ويعلم الجميع جيّداً كيف خطّطت سلطات انقلاب 12 أيلول للقضاء على الكرد, ووضع قادة الانقلاب نصب أعينهم ارتكاب مجازر الإبادة بحقّ الكرد, لذا كانت ثورة 15 آب ضرورة ملحّة حينها للوقف في وجه تلك المخطّطات القذرة والتي كانت مدعومة من قوى الرأسماليّة العالميّة وحلف الناتو لأنّ تلك القوى سعت أن تكون تركيا ساعدها في الشرق الأوسط لتنفّذ بدورها مخطّطاتها الرامية إلى استعباد الشعوب. لكنّ محاولات سلطات الانقلاب بقيادة كنعان إيفرين باءت بالفشل, بفضل مقاومة ثورتنا وكفاح شعبنا المناضل.

واليوم نرى الأمر ذاته, أردوغان اتّفق مع دولت بهجلي على إنجاز ما لم يتمكّن كنعان إيفرين من إكماله. ممارسات الدولة التركيّة اليوم لا تختلف أبداً عن ممارسات سلطات انقلاب 12 أيلول, ضدّ الكرد وجميع القوى الديمقراطيّة الساعية إلى تأسيس مرحلة السلام والاستقرار. ذهنيّة الدولة التركيّة لا تقبل السلام, لذا نراها تشنّ حرباً لا هوادة فيها على الكرد, في شمال كردستان وجنوبها, وما تهديدات أردوغان باجتياح روج آفا وشمال سوريا إلّا استكمال للمخطّطات ذاتها التي تحدّثت عنها, لكنّنا نؤكّد بأنّ حزب العمّال الكردستاني يقف وسيقف بالمرصاد لها وسيفشلها كما أفشلها سابقاً".

وختم بايك حديثه بالتأكيد على قدرة مقاتلي الكريلا على مواجهة جيش الاحتلال التركي وإفشال مخطّطات الدولة التركيّة الرامية إلى القضاء على وجود الشعب الكردي, وأضاف قائلاً: "نحن مصمّمون على مواصلة النضال والكفاح, نحن موجودون في كلّ مكان, في الجبال والمدن والقرى, نحن مستعدّون جيّداً للحرب, مستعدّون لمواجهة جيش الاحتلال التركي المدجّج بالأسلحة الثقيلة والتقنيّات الحديثة, وندعو الشباب الكرد المؤمن بقضيّة شعبه إلى الالتحاق بصفوف حركة حرّية كردستان.. كما ندعو القوى والاحزاب الكردستانيّة إلى تأسيس وحدة الصفّ الكردي, لتكون درعاً منيعاً في وجه الدول والأنظمة المغتصبة لجغرافيّة كردستان وإفشال مخطّطاتها الرامية إلى القضاء على نضال حركة الحرّية لتتمكّن بعها من إنهاء الكرد..مرّة أخرى أجدّد عهد حزبنا في مواصلة النضال ومقاومة أعداء الكرد, وأبارك ثانيةً المتاسبة الخامسة والثلاثين لذكرى 15 آب على القائد أوجلان وعموم الشعب الكردي المقاوم".