باهوز أردال يدعو السوريّين إلى حوار بنّاء في إطار دولة تعدّدية ديمقراطيّة

قال القيادي في حزب العمّال الكردستاني, د. باهوز أردال إنّ مصلحة الشعب السوري تكمن في حوار بنّاء ضمن إطار الدولة السوريّة الموحّدة, دولة تعدّدية ديمقراطيّة تعترف بحقوق جميع مكوّنات المجتمع السوري, موضحاً أنّ تركيا فشلت في خلق فتنة كرديّة-عربيّة.

في حوار خاص مع وكالة فرات للأنباء ANF, تحدّث عضو القيادة العامّة لقوّات الدفاع الشعبي, د. باهوز أردال عن مؤامرة 15 شباط الدوليّة التي استهدفت القائد أوجلان, داعياً القوى التي شاركت فيه بإعادة النظر بمواقفها تجاه أوجلان وتجاه قضيّة الشعب الكردي, كما أوضح أنّ الدولة التركيّة برئاسة رجب طيّب أردوغان هي الداعم والحامي الرئيسي للإرهاب, وتهدف من خلال محاولاتها لإنشاء منطقة آمنة أن تحتلّ شمال سوريا في سعي منها لإحياء الخلافة العثمانية.

 

لنبدأ حوارنا بالمؤامرة الدوليّة التي استهدفت القائد أوجلان, والتي تصادف ذكراها العشرين في 15 شباط, ماذا تخبرونا عنها وكيف تقيّمون الحرب بينكم وبين الدولة التركيّة خلال الفترة الماضية؟

تكتمل هذه الأيّام عشرون عاماً على المؤامرة الدوليّة المشؤومة ضدّ قائدنا, السيّد أوجلان. عشرون عاماً والدولة التركيّة تمارس سياسة عزل تام لقائدنا عن العالم الخارجي وتمنعه من جميع حقوقه المنصوص عليها وفق القوانين الدوليّة, وتمنعه حتّى من الاتّصال مع محاميه وعائلته. وتقوم بممارسات منافية لكلّ القيم الإنسانيّة والقوانين الدوليّة, حتّى قوانين الدولة التركيّة نفسها. كما تمارس إرهاباً نفسيّاً وقمعاً لا مثيل له بحقّ قائدنا في سجنه الانفرادي بجزيرة إيمرالي.

هذه الممارسات تلخّص سياسة الدولة التركيّة تجاه الشعب الكردي في شمال كردستان ومطالبه. فالسجون التركيّة تعجّ بالآلاف من المعتقلين الكرد, من بينهم رؤوساء البلديّات والبرلمانيّين الكرد الذين فازوا في الانتخابات بنسب قياسيّة في الأصوات. كلّ أولئك معتقلون لسبب واحد وهو أنّهم لم ينكروا هويّتهم الكرديّة ويطالبون بحقوق شعبهم بالأساليب الديمقراطيّة. والدولة التركيّة ماضية في سياسة إنكار وجود الشعب الكردي وعدم الاعتراف به, حتّى بأبسط حقوقه, وممارسة كلّ أشكال القمع والبطش وإرهاب الدولة.

ومن الناحية العسكريّة, عوّلت حكومة أردوغان على الآلة العسكريّة الحديثة, خاصّة سلاح الطيران, للوصول إلى نتيجة حاسمة خلال العامين الماضيين ضدّ مقاتلينا. لكنّ الأساليب القتاليّة الخلّاقة التي طوّرتها قوّات الدفاع الشعبي في شمال كردستان, أفشلت كلّ الهجمات التي قام بها الجيش التركي وأجهزة الأمن التابعة للدولة التركيّة. 

وما حملة الإضراب عن الطعام التي يقوم بها المئات من المناضلين والوطتيّين والبرلمانيّين منذ ما يقارب الثلاثة أشهر, ليست إلّا دليلاً على فشل سياسة الإبادة والقمع التي تقوم بها حكومة أردوغان, ودليلاً على إصرار الشعب الكردي على خيار المقاومة. والمقاومة البطوليّة التي قامت بها قوّات الدفاع الشعبي, ومستمرّة فيها, أثبتت فشل كلّ المخطّطات العدوانيّة لحكومة أردوغان. 

وأضطر أردوغان على الاعتراف بفشله بشكل غير مباشر, وحاول أن يبرّر الأزمة الاقتصاديّة التي تتفاقم في تركيا بالحرب التي يخوضها في كردستان. أي أنّه اعترف بأنّ هذه الحرب أنهكت الاقتصاد التركي. وشعبنا إلى جانب مقاتلينا مصمّمون على خيار المقاومة في وجه سياسة الإنكار والإبادة التي تنتهجها الحكومة التركيّة, وسيكون العام 2019 عام تصعيد النضال الديمقراطي على كافة الصعد, وسيكون عاماً تُصاب فيه حكومة أردوغان بالإحباط والفشل الذريع في سياساته العدوانيّة.

- كيف تقيّمون سياسة حكومة أردوغان في الشرق الأوسط بالعموم؟

إنّ سياسة حكومة حزب العدالة والتنمية برئاسة أردوغان في الشرق الأوسط, تقوم على إحياء أمجاد الحلم العثماني, وهذا هو السبب لأن تكون لأردوغان وحكومته أطماع توسّعية في المنطقة. وهذا ما يدفعه للتدخّل في كلّ المنطقة, بدء من الصومال وليبيا وحتّى مصر, وصولاً للخليج العربي, بالإضافة إلى سوريا والعراق. وهذه السياسة تشكّل خطراً على أمن واستقرار دول وشعوب المنطقة. لكنّ الأخطر من هذه السياسة, هي الوسائل التي يستخدمها أردوغان لتحقيق أجندته, وتتلخّص هذه الوسائل باستخدام أردوغان للتنظيمات الإرهابيّة المتطرّفة, مثل تنظيم داعش, جبهة النصرة والإخوان المسلمين التي يستخدمها كيد له لتحقيق أجندته في المنطقة. وهذا ليس مجرّد اتّهام أو تشكيك, بل هو واقع بدأ يتوضّح للجميع. فقد نُشرت في الأيّام الأخيرة تقارير عدّة تثبت علاقة الاستخبارات التركيّة بحركة الشباب الإرهابيّة في الصومال وتمويلها عن طريق وسطاء, وكذلك ضبط العديد من السفن القادمة إلى ليبيا من تركيا والمحمّلة بالأسلحة والمتفجّرات والمدرّعات, فتركيا تقوم أيضاً بدعم تنظيمات متطرّفة في ليبيا, بهدف منع الوصول إلى حلّ سياسيّ هناك. وحتّى التفجيرات التي تحصل في مصر, قسمٌ منها, وإن كانت المجموعات التي تقوم بها قادمة من الصحراء الليبيّة, لكنّ القوى المحرّكة التي تقوم بتفعيل هذه المجموعات هي خلايا الحرب العميقة في الاستخبارات التركيّة. والتدخّل التركي في كلّ من سوريا والعراق معروف للجميع. 

إذاً, السياسات التوسّعية ورعاية أردوغان للتنظيمات الإرهابيّة وحمايتها وتمويلها هي أكبر خطر على استقرار ومستقبل المنطقة, وأردوغان هو أكبر راعي وحامي للإرهاب في المنطقة, وعلى المؤسّسات القضائيّة الدوليّة المعنيّة البدء بالتقصّي والتحقيقات بحقّه بسبب رعايته للإرهاب. ونعتقد أنّه يتوجّب على كلّ القوى الديمقراطيّة والدول التي تعاني من سياسة تركيا العدوانيّة أن توثّق وتتطوّر علاقاتها لتشكّل جبهة مقاومة في ظلّ التوسّع التركي العثماني.

- فيما يخصّ الشأن السوري, هناك حديث من قبل الحكومة التركيّة عن إنشاء "منطقة آمنة" في شمال سوريا, برأيكم ماذا تهدف تركيا من إقامة هذه المنطقة؟

إنّ حكومة أردوغان تعمل على الترويج والدعاية لما يسمى بالمنطقة الآمنة في الشمال السوري منذ عامين وأكثر, وحاليّاً تقوم بتمرير مشروعها في شرق الفرات. في الحقيقة, منطقة شرق الفرات من أكثر المناطق أماناً واستقراراً في سوريا خلال السنوات الأخيرة, وبدأ تهديد داعش بالزوال, أي ليس هناك تهديد على المدنيّين حتّى يكون هناك داعي لإقامة منطقة آمنة, التهديد الوحيد على شمال سوريا هو التهديد التركي. وأردوغان يحاول أن يحتلّ شمال سوريا تحت حجّة المنطقة الآمنة, ويعمل على قبرصة الشمال السوري (كنموذج قبرص), حيث قامت تركيا باحتلال شمال قبرص وجاؤوا بالأتراك من هنا وهناك وأنشأوا دولة مصطنعة وقالوا عملنا فحصل! وهذا ما يريد أردوغان أن يقوم به في الشمال السوري أيضاً. فهدفهم ليس المنطقة الآمنة, بل هدفهم هو احتلال الشريط الشمالي, وسياسة الاحتلال التركي في عفرين توضح بشكل جلي ماذا يقصدونه بالمنطقة الآمنة, فالجيش التركي لم يحتل عفرين فحسب, بل قام بتهجير مئات الآلاف من سكّانها, ولم يكتفي بذلك فقط, بل قام بتدمير الآثار والمعالم الحضاريّة التاريخيّة في عفرين, وقاموا بنهب جميع خيراتها, كما قاموا بالتغيير الديموغرافي في عفرين بنسبة ما يقارب 90 %.

إنّ ما قام به الاحتلال التركي في عفرين, لا يقلّ عمّا قامت به ميانمار ضدّ شعب الروهينغا, لا بل أكثر بشاعة وأكثر قمعاً ووحشيّة. وأيّ كرديّ أو سوريّ يجب بلده, لا يقبل أن يتدخّل الاتراك ولو متراً واحداً في الشمال السوري بأيّ حجّة كانت. فأكبر تهديد على أمن أهل المنطقة هو الاحتلال التركي والمرتزقة المتعاملين معه من بقايا داعش والنصرة. لذلك مشروع المنطقة الآمنة الذي تقصده الدولة التركيّة هو احتلال لشمال سوريا وهذا ما يرفضه أهالي المنطقة وعموم الشعب السوري, وأعتقد أنّ حتّى الدول الإقليميّة والدول الكبرى لا تقبل بهذا الأمر. ولا أعتقد أنّ أردوغان سينجح بتمرير هذا المخطّط, وإن حدث وقام بعمل كهذا, ستكون مغامرةً تجلب نهايته ونهاية حكومته.

- تركيا تقول بأنّها ستدخل إلى شرق الفرات في سوريا, لمحاربة داعش من جهة, ومن جهة أخرى لتخليص العرب من ظلم الكرد, كيف تردّون على هذه الادّعاءات؟

سأحاول أن أجيب على هذا السؤال على شقّين. الشقّ الأوّل إنّ ادّعاء أردوغان بأنّه سيحارب داعش لهو أمرٌ يثير السخرية. فخلال العامين 2014 و2015, كان تنظيم داعش يسيطر على مايقارب 300 كم من المناطق الحدوديّة, أي كانت لداعش حدود مشتركة مع تركيا بطول 300 كم, أين كان أردوغان أنذاك, ولما لم يحارب داعش حينها؟ ولماذا تذكّر أردوغان الحرب على داعش عندما أشرف التنظيم على الاحتضار؟. 

لم تحارب الدولة التركيّة تنظيم داعش يوماُ ما, بالعكس من ذلك, حكومة أردوغان منعت دول التحالف من استخدام قاعدة "إنجرليك" لضرب تنظيم داعش بالطيران. لغاية تحرير قوّات سوريا الديمقراطيّة تحرير تل أبيض وصولاً إلى نهر الفرات, حتّى ذلك الوقت, لم تسمح تركيا للتحالف باستخدام القاعدة. ومن ثمّ اضطرّ لقبول استخدام "إنجرليك" مقابل أن يتوقّف الأمريكان ودول التحالف بالتقدّم في غربي الفرات.

بل أكثر من ذلك, كان للدولة التركيّة علاقات حسن جوار مع داعش, وعلى طول 300 كم, لم تكن المسافة بين مسلّحي التنظيم الإرهابي والجنود الأتراك إلّا بضعة أمتار, ولم يحصل يوماً ما أيّ اشتباك بينهم. والأكثر من ذلك أيضاً, أنّ حكومة العدالة والتنمية دعمت داعش بكلّ الوسائل, وهنا سأذكر مثالين عن ذلك, أوّلهما هناك تقارير دوليّة تثبت أنّه خلال 2014 حتّى منتصف 2015, أي خلال عام ونصف, هناك 25 ألف إلى 30 ألف مقاتل أجنبيّ جاؤوا إلى سوريا وانضمّوا إلى داعش وقاتلوا في سوريا والعراق. 25 ألف أجنبيّ كيف وصلوا إلى سوريا؟ هل جاؤوا بالإنزال المظلّي؟ لا, ولم يأتوا لا من دمشق ولا عمّان ولا بغداد, ولم يكن هذا ممكناً. كلّهم دخلوا عن طريق تركيا ويتسهيلات مباشرة من الاستخبارات التركيّة, وإلّا كيف يعبر كلّ أولئك الحدود دون علم من تركيا؟. وهناك المئات حتّى الآلاف من الوثائق تثبت ذلك, إلى جانب اعترافات المئات من الدواعش الذين تمّ أسرهم لدى القوّات العراقيّة وقوّات سوريا الديمقراطيّة وغيرهم, تثبت ذلك.

المثال الثاني, عندما كان تنظيم داعش يسيطر على الحدود مع تركيا, كانت تلك الحدود مفتوحة, وكانت المعابر تعمل بشكل طبيعي, كمعبر تل أبيض ومعبر جرابلس اللذين كانا يعملان ليلاً نهاراً, وكان داعش يقوم بتهريب النفط السوري والعراقي إلى تركيا, ويتاجر مع شركة تابعة لابن أردوغان بالذات. ويوميّاً كانت تعبر المئات والآلاف من ناقلات النفط من سوريا والعراق إلى الداخل التركي من خلال معبري تل أبيض وجرابلس, وتمّ توثيق ذلك من أطراف عدّة, حتّى الرئاسة الروسيّة والإعلام الروسي نشروا وثائق حول هذه الشراكة. فأردوغان هو شريك لداعش وهو من المموّلين الرئيسيّين لداعش, ويخاف من محاكمته مستقبلاً, لذا هو بدّعي أنّه يحارب التنظيم الإرهابي.

أمّا الشقّ الثاني, هو الادّعاء بأنّ الكرد يقومون بالتطهير العرقي ضدّ العرب, وسيقومون بإعادة المواطنين العرب إلى قراهم. وهذه كذبة أردوغانيّة بامتياز. فأقلّ المناطق تشهد نزوحاً سكّانيّاً هي مناطق شرق الفرات, وأيّ مؤسّسة معنيّة تقوم بدراسة على أرض الواقع, سترى أنّ نسبة نزوح أهالي مناطق شرق الفرات هي أقلّ نسبة في عموم سوريا. 

وحسب متابعتي, أعلم بأنّ هناك نحو 200 ألف من النازحين العرب من مناطق غرب الفرات وحتّى من العراق يقيمون في مناطق الإدارة الذاتية في شرق الفرات, فكيف تسمح هذه الإدارة بقدوم أولئك النازحين, في الوقت الذي تقوم هي بالتطهير العرقي بحقّ العرب؟! ثمّ كيف يقوم الكرد بممارسة التطهير العرقي بحقّ العرب ونصف مقاتلي قوّات سوريا الديمقراطيّة هم من المكوّن العربي؟! بالإضافة إلى أنّ نصف ممثّلي مؤسّسات الإدارة الذاتية هم من العرب!.

إذاً, ذريعة الدولة التركيّة هذه هي أوّلاً لخلق مبرّر للتدخّل في مناطق شمال سوريا واحتلالها, ثانياً لتخفيف ردّة الفعل لدى الأخوة العرب ومحاولة لدغدغة عواطفهم القوميّة بأنّها حريصة على حقوق العرب والوحدة السوريّة, ثالثاً, أردوغان يريد أن يغطّي على جرائمه, فمنذ متى كان أردوغان حريصاً على وحدة الأراضي السوريّة وعلى حقوق الشعب العربي؟ ألم يقل أردوغان نفسه قبل عامين بأنّه لن يقبل اتّفاقية "لوزان" وأنّه سيرسم الحدود من جديد وأنّ حلب كانت تحت الإدارة التركيّة قبل سبعين عاماً؟ ألم يقل بأنّه سيحقّق الميثاق الملّي وسيحتلّ الشمال السوري.

إنّ نظرة عابرة لما يقوم به الاحتلال التركي في جرابلس, يوضح لنا جليّاً حقيقة نوايا الدولة التركيّة وموقفها, فما يحصل في جرابلس وإعزاز وعفرين هو عملية تتريك وصهر قومي للشعب هناك, وتتمّ إدارة تلك المناطق كأنّها تابعة للمحافظات التركيّة, حتّى الأطفال في المدارس يُجبرون على ترديد الشعارات التي تمدح أردوغان والقوميّة التركيّة. فهل هذا ما يقصد به أردوغان من حقوق الإخوة العرب؟.

سياسة الدولة التركيّة انكشفت للجميع, وعلى رأسم الأخوة العرب, ويحاول أردوغان أن يخلق حالة من ضعف الثقة بين الكرد والعرب ويعمل على خلق اقتتال كرديّ عربي, هذا ما سعى إليه منذ عامين وفشل في تحقيقه وسيفشل مراراً وتكراراً. 

ليس هناك أيّ مبرّر لا للتدخّل التركي ولا لتدخّل أيّ قوّة أخرى, فالنموذج الذي حقّقه الشعب السوري في شرقي الفرات بعربه, كرده وسريانه هو نموذج للأخوّة والتعايش يمكن الاحتذاء به على مستوى سوريا, وحقّقه الشعب هناك بدماء أبنائه وتضحياتهم. أين كان أردوغان عندما كان تنظيم داعش وجبهة النصر يحتلون تلك المناطق ويرتكبون بحقّ أهاليها أبشع المجازر؟ ويتذكّر الآن أهالي شرقي الفرات!. مع العلم أنّ كلّ أهالي المنطقة كلّ يوم يبدون رفضهم للتدخّل التركي.

- بالنسبة للأوضاع في منطقة إدلب السوريّة والنقاشات الدائرة حولها, بمنظوركم, إلى أين تتّجه الأوضاع هناك؟ 

إنّ الوضع الحالي في إدلب هو مثال واضح ودليل صارخ على التعاون الوثيق بين حكومة أردوغان مع التنظيمات الإرهابيّة, حيث تعمل بتنسيق على مستوى عالٍ مع تنظيم النصرة الإرهابي, أو ما تسمّى بتحرير الشام, فهناك أكثر من 12 قاعدة عسكريّة تركيّة في إدلب, والتي يسيطر عليها تنظيم جبهة النصرة, وهناك حالة تعاون وتنسيق بين الطرفين. وبالرغم أنّ جبهة النصرة هي خارج اتّفاقية "خفض التصعيد" كونها تنظيماً إرهابيّاً, لكنّ أردوغان والمسؤولون الأتراك يمثّلونها في اجتماعات آستانا, والنصرة تلتزم بالقرارات والأوامر التركيّة, وهذا أمر لا يخفى على أحد ويتمّ على مرأى الجميع. لولا الدعم التركي المباشر والتمويل القطري, لما استطاع تنظيم النصر أن يستمر ويكسب قوّة جديدة ويسيطر على معظم مناطق إدلب. ففي الوقت الذي يحتضر فيه تنظيم داعش, وهو كان أقوى من النصرة, كيف للأخيرة أن تستمرّ لولا هذا الدعم والتمويل!.

ولقد آن الأوان لاستهداف تنظيم تحرير الشام (النصرة) الإرهابي والمناطق التي يحتلّها, بعد خسارة داعش لكلّ الأراضي التي كان يسيطر عليها, ويمكن لروسيا أن عمل مع القوى الديمقراطيّة في سوريا وفي المنطقة ضمن مخطّط مشترك لتحرير هذه المناطق من إرهاب النصر, بدء من عفرين وحتّى إدلب. 

الوضع لا يزال ضبابيّاً ومجال حسابات ومقايضات بين الدول المختلفة, لكنّ الأهمّ هو أنّ الظروف الموضوعيّة بدأت تفرض وتضغط على كلّ الأطراف أن تتّخذ قراراً بشأن تنظيم النصرة وإدلب, وبدأت الأضواء تتسلّط على الوضع هناك. فبعد خسارة داعش لكلّ الأراضي التي كان يسيطر عليها, التنظيم الإرهابي الوحيد الذي بقي يسيطر على قسم من الأراضي هو النصرة, وهنا يتمّ ضبط أردوغان بالجرم المشهود من خلال تعاونه وحمايته للنصرة. 

وحسب قناعتنا, من مصلحة الشعب السوري ومن مصلحة القوى المعنيّة بمستقبل سوريا أن يتمّ تطهير هذه المنطقة من إرهابيّي النصرة, وبذلك لا يبقى لأردوغان أيّ مبرّر أو ذريعة لاحتلال الشريط الشمالي الغربي لسوريا.

وأخيراً, نعتقد أنّ كلّ القضايا السوريّة, بما فيها شرق الفرات, يمكن أن يتمّ حلّها من خلال حوار بنّاء ضمن إطار الدولة السوريّة الموحّدة, دولة تعدّدية ديمقراطيّة تعترف بحقوق جميع مكوّنات المجتمع السوري, سواء كانت ثقافيّة أو دينيّة أو قوميّة, وهذا هو الحلّ الوحيد الذي يضمن استقرار ومستقبل سوريا ككل. وندعو الدول الكبرى ودول المنطقة التي شاركت بشكل مباشر أو غير مباشر في المؤامرة الدوليّة المشؤومة على القائد أوجلان, أن يعيدوا النظر في مواقفهم بعد مضيّ 20 عاماً على هذه المؤامرة, ويعملوا على تصحيح موقفهم من قضيّة الشعب الكردي المشروعة وأن يكون لهذه القوى مواقف أكثر فعّالية تجاه السياسة العدوانيّة لتركيا ليس فقط ضدّ الشعب الكردي بل ضدّ جميع شعوب المنطقة, وحتّى تمثّل خطراً على أمن أوروبا, قالدولة التركيّة برئاسة أردوغان أصبحت مأوى لكلّ التنظيمات الإرهابيّة, دولة حامية وراعية لكلّ أنواع الإرهاب