باحث مصري: سجن صلاح الدين دميرتاش نقطة سوداء في مسيرة العدالة والتنمية الاستبدادية

قال خبير مصري أن الحكم بالسجن لنحو 5 سنوات على الرئيس السابق لـ "حزب الشعوب الديمقراطية" الكردي صلاح الدين دميرتاش، يمثل نقطة سوداء في العلاقة بين الكرد ونظام حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم.

وأعتبر كرم سعيد الباحث في الشأن التركي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، في حوار مع وكالة فرات للأنباء (ANF)، أن على المعارضة التركية التحرك من خلال رؤية ومشروع يمس اهتمامات الشارع من اجل العمل على تغيير المشهد الداخلي الراهن الذي يشهد أزمات سياسية واقتصادية.. فإلى نص الحوار:

صعود الكرد يمثل شوكة في حلق حزب العدالة والتنمية

لماذا لجأ النظام التركي إلى سجن المرشح الرئاسي صلاح الدين دميرتاش؟

الأزمة الكردية المشتعلة في تركيا منذ عام  1984 دخلت مرحلة جديدة الآن، وهي مرحلة حالكة السواد، فمع دخول تركيا نفق النظام الرئاسي والرجل الواحد أصبح أي صعود للكرد يمثل شوكة في حلق نظام العدالة والتنمية، فلجأ إلى إقامة دعاوى قضائية ضد النواب الكرد ووصلت لأكثر من 600 قضية، من أجل رفع الحصانة البرلمانية عنهم وسجنهم.

وهذه الممارسات أصبحت نقطة سوداء جديدة في مسار العلاقات الكردية-التركية، فقد لجأ النظام التركي لسجن صلاح الدين دميرتاش، مرشح "حزب الشعوب الديمقراطي" الكردي للرئاسة، رغم وفرة حظوظه فقد ترشح من داخل محبسه وحصل على المرتبة الثالثة رغم أنه لم يستطع أن يقيم أي دعاية، واعتقد أن لجوء حزب العدالة والتنمية لحبسه جاء بنتائج عكسية، فقد تغلب على مرشحين آخرين أقوياء في ترتيب النتائج، وأعطاه ذلك جزء كبير من تعاطف الناس القوي مع حزب الشعوب الديمقراطية، حيث استطاعت الأحزاب الكردية كسر حاجز 10% من الأصوات ودخول البرلمان مجددا.

أما الحكم الأخير بسجن صلاح الدين دميرتاش فهو نقطة سلبية ستؤدي لمزيد من العداء والتوتر والاحتقان السياسي في الداخل التركي، وتقلص أي فرص للسلام مع الدولة التركية، فهي نقطة مفصلية وكاشفة عن السياسية السلبية ضد الكرد ويمثل خسارة كبيرة لأرضية واسعة للحزب، وكل محاولات التقارب التي بدأت منذ 2009 وأعلن عنها في صورة مفاوضات في 2012 وانهارت في 2014.

وهذا الحكم الأخير سيلقي بتداعيات سلبية جدا على المشهد الداخلي في تركيا من خلال زيادة حدة الانقسام الداخلي والاحتقان السياسي والاجتماعي، ويعقد صورة تركيا في الخارج ويزيد من الضغوط الخارجية عليها، ويعطي فرصة جديدة لضغوط أمريكية من زاوية الأوضاع الحقوقية المتداعية في تركيا حاليا.

حالة الانقسام والتشظي مستمرة في المشهد السياسي التركي

ما تعليقكم على بيان حزب الشعب الجمهوري المعارض في تركيا اليوم حول أن أردوغان فشل في حكم البلاد وإدارة اقتصادها؟

بيان رئيس الحزب يعكس مجددا حالة الانقسام والتشظي موجود في المشهد السياسي التركي منذ ما قبل حالة الانقلاب، وقد تصاعد هذا الانقسام بعد الإجراءات الاستثنائية، والتباطؤ الاقتصادي نتاج سياسات اقتصادية خاطئة لأردوغان سحبت جزء كبير من السيولة التركية، ومشروعات أردوغان الاقتصادية غير المدروسة، وتصميمه على قرارات غريبة بعدم رفع الفائدة، ثم اضطر البنك المركزي مؤخرا لرفع الفائدة، ولم تفلح تلك الإجراءات في التحايل على الأزمة التي تشهدها تركيا على المستويين الاقتصادي والسياسي أيضا.

هل يعني ذلك أن الظروف مواتية لصعود المعارضة التركية؟

 

في ظل هذا الإطار يمكن أن نلمس دور المعارضة التركية، لكن إذا تغلبت على سماتها الرئيسية التي عرقلت فعاليتها على الأرض، فالمعارضة التركية يغلب عليها البناء الفوقي المتعلق بالأيديولوجيا وأفكارها ولم تنخرط مع الشارع التركي والمشروعات والرؤى الاقتصادية للتغلب على الوضع الراهن، واعتقد أن المعارضة لا تزال تعزف بعيدا، ولكنها كسرت هذا النمط في مرتين، الأولى بعد محاولة الانقلاب، وأعلنت رفضها للانقلاب ثم قيام كمال أوغلو بمسيرة العدالة من أنقرة الى اسطنبول لرفض التعديلات الدستورية.

ونجحت المعارضة أيضا حينما التأمت في تيار واحد خلال الانتخابات، ولكنها في كل الأحوال ظل البناء الإيديولوجي يغلب عليها، ورأينا ذلك في تعدد المرشحين خلال الانتخابات الرئاسية الماضية.

لكن هذه التصريحات الأخيرة ربما تكشف عن توجه جديد للمعارضة؟

تعتمد المعارضة على التصريحات والأقوال دون أن تلجأ الى الأفعال على الأرض، والتحرك الاحتجاجي، وهناك رفض كثير من الشارع التركي للمعارضة وخاصة التيار العلماني، وعلى سبيل المثال خلال الدعاية الانتخابية محرم انجه لم يقدم ما يغري المواطن التركي للتصويت للمعارضة،  وتصريحات اليوم لرئيس حزب "الشعب الجمهوري" المعارض، كمال كيليتشدار أوغلو، الذي قال فيها إن البلاد تمر بأزمة اقتصادية خطيرة للغاية، وإن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فشل في حكم البلاد، ويجب أن يستقيل، هي ليست جديدة وليست الأولى من نوعها وكمال اوغلو ينتقد ولا يقدم البديل ولا يقدم خطة للمعارضة أو لقيادة هذا التيار السياسي المعارض لأردوغان، كما أن حزبه به أزمة داخلية شديدة ورغم رفض قطاع واسع لرئاسته فهو لا يعير ذلك اهتمامه، فالمعارضة في تركيا لا تقدم حلول.

وحزب الحركة القومية أصبح حليف أردوغان وأصبح مقرب منه وارتمى في أحضان أردوغان رغم الخصومة بين الجانبين، وذلك لبحث المعارضة عن مصالحها الآنية والضيقة لا تحمل في طياتها رؤية تجذب الناخبين، ويبقى أنها تحتاج الى مشروع حقيقي.

بعيدا عن الداخل التركي.. كيف تنظر إلى السياسة التركية تجاه الكرد على امتداد الإقليم؟

تركيا تخبطت في تحركاتها، فقد حاولت التقارب مع كردستان العراق، وأصبحت المنفذ الاستراتيجي الوحيد للإقليم، ولكن العلاقة تدهورت نسبيا بعد الاستفتاء هناك، فتركيا لا يزال لديها هواجس شديدة إزاء أي صعود لنفوذ الكرد ودخلت في حرب شديدة مع الكرد في سوريا، وأخذت علاقاتها في التوتر مع الولايات المتحدة الأمريكية بعد هجومها واحتلالها لأراضي في شمال سوريا بها أغلبية كردية، وهي تقوم بعمليات تتريك واسعة في منطقة عفرين بعد ما فعلته الباب وتسعى لنفس السياسة في منبج، وترى أن أي صعود كردي يمثل تهديدا لها ولا يمكن أن تبقى على أي علاقة جيدة مع الكرد.

وإقليميا أيضاً، أصبح احد أهم أسباب التحالف أو لنقود التقارب مع إيران ليس الحاجة المستمرة إلى إمدادات النفط ولا مواجهة العقوبات الأمريكية ضد البلدين، ولا الحاجة إليها في مواجهة القطيعة مع الخليج ولا العلاقات المتوترة ببعض العواصم الأوروبية، بل لمواجهة النفوذ والوجود الكردي في سوريا والعراق، والعامل الكردي هو أحد المحددات أو مغريات التقارب بين إيران وتركيا حاليا.