أنطونيو جوتيريش يكتب: خطاب الكراهية نار سارية في الهشيم

تستهدف موجةٌ خطيرة من التعصب والعنف القائم على الكراهية معتنقي الكثير من الديانات في أرجاء المعمورة. ومما يثير الأسف والقلق أن هذه الحوادث الأثيمة باتت مألوفة إلى حد بعيد.

عممت مكاتب الأمم المتحدة الصحفية حول العالم مقالاً للأمين العام أنطونيو جوتيريش، باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية، يتناول فيه خطاب الكراهية.

ويقول جوتيريش في مقاله الذي وصلت وكالة فرات ANF نسخة منه إن خطاب امتد من المجموعات الدينية ليستهدف أيضا الأقليات والمهاجرين واللاجئين والنساء بصورة بغيضة، فإلى نص المقال:

تجتاح الكراهيةُ جميع أنحاء العالم في مسيرة زاحفة.

وتستهدف موجةٌ خطيرة من التعصب والعنف القائم على الكراهية معتنقي الكثير من الديانات في أرجاء المعمورة. ومما يثير الأسف - والقلق - أن هذه الحوادث الأثيمة باتت مألوفة إلى حد بعيد.

ففي الأشهر الأخيرة، لقي مصلون يهود مصرعهم في المعابد وشُوِّهت شواهد قبور يهودية برموز الصليب المعقوف؛ وقُتل مسلمون في المساجد برصاص حصد أرواحهم وخُرّبت مواقعهم الدينية؛ وأزهِقت أرواح مسيحيين وهم مستغرقون في صلواتهم وأحرِقت كنائسهم.

وبخلاف هذه الهجمات المروعة، يتعالى خطابٌ بغيض موجّه لا للمجموعات الدينية فحسب بل ونحو الأقليات والمهاجرين واللاجئين والنساء وكلِّ من يُزعم أنه ”آخر“ أيضا.

وفي حين تنتشر الكراهية كالنار في الهشيم، يستغل المتعصبون وسائل التواصل الاجتماعي لبث سمومهم. وتتنامى حركات النازيين الجدد والمؤمنين بتفوق العرق الأبيض. ويتحوّل الخطاب المؤجِّج للمشاعر إلى سلاح لتحقيق مكاسب سياسية.

وتزحف الكراهية مقتحمةً التيارَ الغالب سواء في الديمقراطيات الليبرالية أو في الأنظمة الاستبدادية - فتلقِي بظلال قاتمة على إنسانيتنا المشتركة.

ولطالما عملت الأمم المتحدة على حشد قوى العالم في مواجهة الكراهية بجميع أنواعها، وقد استعانت في عملها هذا بإجراءات شديدة التنوع قصد الدفاع عن حقوق الإنسان والنهوض بسيادة القانون.

والحق أن هوية المنظمة ذاتها وأسبابَ نشأتها لها جذور راسخة في ذلك الكابوس الذي يتسلط على العالم عندما تعيث البغضاء في الأرض فساداً لأمد طويل دونما حسيب أو رقيب.

إننا نعتبر خطاب الكراهية هجوماً على التسامح والإدماج والتنوع، وسهماً مسدَّدا إلى صميم القواعد والمبادئ التي نعتمدها فيما يتعلق بحقوق الإنسان.

وبشكل أعم، يقوّض خطابُ الكراهية التماسكَ الاجتماعي وينال من القِيَم المشتركة، ويمكن أن يكون نقطة الارتكاز التي ينطلق منها العنف، مما يصيب قضية السلام والاستقرار والتنمية المستدامة والكرامة الإنسانية بانتكاسة.

وفي العقود الأخيرة، كان خطاب الكراهية هو النذير بقرب وقوع الفظائع، بما في ذلك الإبادة الجماعية، من رواندا إلى البوسنة وانتهاء بكمبوديا.

وإنني أخشى أن يكون العالم اليوم على شفا لحظة حرجة أخرى في معركته مع شيطان الكراهية.

ولهذا السبب، أطلقتُ مبادرتين للأمم المتحدة لرد هذا الخطر.

فقد أزحتُ للتو النقابَ، أولا، عن استراتيجية وخطة عمل مناهضتين لخطاب الكراهية يراد بهما تنسيق الجهود المبذولة على نطاق منظومة الأمم المتحدة بأسرها، وتعملان على معالجة الأسباب الجذرية لذلك الخطاب وجعل استجابتنا له أكثر فعالية.

ونحن عاكفون، ثانيا، على وضع خطة عمل للأمم المتحدة لكي تشارك مشاركةً كاملةً في الجهود الرامية إلى دعم حماية المواقع الدينية وضمان سلامة دور العبادة.

ولأولئك الذين يصرون على استغلال الخوف لغرس بذور الفرقة في المجتمعات، لا بد لنا أن نقول: إن التنوع ثروة، وما كان قَطّ تهديدا.

والإيمان العميق والثابت بالاحترام المتبادل وتقبُّل الآخر كفيل بأن يسمو بنا عما يأتي في عشرات النشرات والتغريدات التي تُطلق في أجزاء من الثانية. ويجب ألا ننسى أبداً أن كل واحد منّا هو في نهاية الأمر ”آخر“ بالنسبة إلى شخص ما في مكان ما. ولن يكون أيّ إحساس بالأمان إلا وهماً ما دامت الكراهية تعُمّ.

إن الواجب يحتم علينا، ونحن جزء من نسيج الإنسانية الواحد، أن يرعى بعضنا بعضاً.

ولا بد، بطبيعة الحال، أن يكون كلّ ما يُتخذ من إجراءات للتصدي لخطاب الكراهية ومجابهته متسقاً مع حقوق الإنسان الأساسية.

فالتصدي لخطاب الكراهية لا يعني تقييد حرية التعبير أو حظرها. بل هو يعني منع تصعيد خطاب الكراهية بحيث يتحول إلى ما هو أشد خطورة، وخاصة إذا بلغ مستوى التحريض على التمييز والعدوانية والعنف، وهو أمر يحظره القانون الدولي.

إننا بحاجة إلى التعامل مع خطاب الكراهية كتعاملنا مع كل عمل خبيث: فلنُدِنه، ولنرفضْ توسيع أصدائه، ولنجابِهه بالحقيقة ونحث الجاني على تغيير سلوكه.

وقد آن الأوان لتكثيف الجهود بغية القضاء على معاداة السامية وكراهية المسلمين واضطهاد المسيحيين وسائر أشكال العنصرية وكراهية الأجانب وما يتصل بذلك من تعصب.

وعلى الحكومات والمجتمع المدني والقطاع الخاص ووسائل الإعلام جميعاً أدوار هامة ينبغي القيام بها. كما تتحمل القيادات السياسية والدينية مسؤوليةً خاصة عن تشجيع التعايش السلمي.

إن الكراهية خطرٌ محدق بالجميع - ولذلك لا بد أن تكون محاربتها فرضاً على الجميع.

فمعاً، يمكننا أن نخمد الكراهيةَ السارية كالنار في الهشيم وأن نصون القِيم التي تجمعنا كأسرةٍ إنسانية واحدة.